ج ٢، ص : ٢٦٦
يذكر اللّه - تعالى - في هذا المقام محتجا على مشركي العرب بأن البلد الحرام مكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة اللّه وحده لا شريك له، وأن إبراهيم أبو العرب تبرأ من عبادة الأصنام، ودعا لمكة بالأمن، وهذا دعاء ثان لإبراهيم بعد أن بنى البيت لإسماعيل، يا ربي إنى أسكنت بعض ذريتي وهم أولاد إسماعيل بواد غير ذي زرع وهو واد بمكة عند بيتك المحرم الذي لا يستباح فيه ما يستباح في غيره من صيد طيره وقطع شجره، ولا يحتمي إلا بحماه، وهو محرم فيه القتال والنزاع، يا رب إنى أسكنت بعض ذريتي في هذا الوادي القفر ليقيموا الصلاة متوجهين إليه متبركين به وإنما خصت الصلاة بالذكر دون سائر العبادات لمزيد فضلها.
ويظهر أن سكان البلاد الزراعية كثيرا ما تشغلهم الزراعة وتوابعها عن إقامة الصلاة كاملة. ولهذا كانت النواة الأولى للإسلام في تلك البقاع.
فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات، وقد حقق اللّه دعاء إبراهيم - عليه السلام - وحديثا ترى الناس في كل عام، وقد تملكهم حب عميق وحنين إلى الحج وزيارة الأماكن المقدسة باذلين فيها الكثير من الأموال في الصدقات والبيع والشراء، وهذا مما يحدث في البلاد حركة تجارية تجعل التجار يجلبون إلى مكة الثمرات والأرزاق من كل قطر، كل هذا رجاء أن يشكروا تلك النعمة بإقامة الصلاة وأداء واجب العبادة.
وفي هذا إشارة إلى أن تحصيل المال يعين عن أداء الواجبات الدينية ربنا إنك تعلم ما تخفى قلوبنا وما تعلن، وما يخفى على اللّه شيء أبدا في الأرض ولا في السماء ؟
إذ هو عالم الغيب والشهادة السميع البصير.
الحمد للّه الذي استجاب الدعاء ووهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق وإن ربي لسميع دعائي الذي أدعو به ومجيب له، وقد عودنى ذلك.
يا رب اجعلنى مقيم الصلاة، ومؤديها كاملة تامة الأركان والشروط واجعل - أيضا - من ذريتي من يقيم الصلاة ويؤديها.
ربنا وتقبل دعائي، واقبل عبادتي فإنها خالصة لك :
ربنا اغفر لي واغفر لوالدي واغفر للمؤمنين يوم يقوم الحساب ويتحقق الميزان،