ج ٢، ص : ٢٧٣
نعم كثيرا ما يودون لو كانوا مسلمين حينما يرون العذاب يصب عليهم صبّا والمسلمون في جنات النعيم، وقيل إنهم يودون ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب، ولفظ ربنا يستعمل للتكثير والتعليل، وأما أنت يا محمد : فدعهم، ولا يهمنك أمرهم فهم لا يرعوون، ذرهم يأكلوا كما تأكل الأنعام ويتمتعوا بالعرض الزائل والمتاع الفاني، ويلههم الأمل وتغرهم الأمانى، فسوف يعلمون عاقبة عملهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللّه بقلب سليم.
وفي قول القرآن الكريم لهم على لسان الرسول : ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا منتهى التهديد والذم لهم، وتصوير بارع لما انطوت عليه نفوسهم وإن من يعرف مقدار ألم الزبرقان بن بدر - رضي اللّه عنه - حينما هجاه الخطيئة بقوله :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى
وشهادة حسان بن ثابت بأن الشاعر ساح عليه أى عابه عيبا فظيعا يدرك مقدار ذم القرآن لهم وأنهم يستحقون ذلك.
وللّه سنة لا تتخلف مع الأمم : وهي أنه لا يهلك قرية من القرى أبدا إلا في حال أن لها كتابا معلوما وأجلا محدودا. لا تسبق أجلها عنه وَكُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ.
ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [سورة الرعد آية ٣٨].
ولقد قالوا مقالتين جانبوا فيهما الصواب. وافتروا الباطل الصريح ورد القرآن الكريم عليهما :
قالوا : يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. وفي قولهم للنبي وندائهم له - بالذي نزل عليه الذكر - استهزاء وأى استهزاء ؟ ! ومعنى قولهم هذا : إنك لتقول قول المجانين حين تدعى أن اللّه أنزل عليك الذكر هي المقالة الأولى..
وأما الثانية فهي : لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ على معنى تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك في قولك لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [سورة الفرقان آية ٧]. وبعضهم يرى أن المعنى : هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا إن كنت صادقا في دعواك اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال آية ٣٢].