ج ٢، ص : ٢٨٠
حمأ مفسر لجنس الصلصال كقولك : أخذت هذا من رجل من العرب وَالْجَانَّ هو إبليس وسمى بذلك لتواريه عن الأعين السَّمُومِ النار لا دخان لها وقيل السموم الريح الحارة التي تقتل سميت بذلك لتأثيرها على مسام الجسم فَأَنْظِرْنِي أمهلنى بِما أَغْوَيْتَنِي الغواية ضد الرشد لَأُزَيِّنَنَّ لأحسنن لهم المعاصي الْمُخْلَصِينَ الذين استخلصهم اللّه. وقرئ المخلصين على معنى الذين أخلصوا لك العبادة من فساد أورياء.
وهذا مظهر - أيضا - من مظاهر قدرة اللّه وعظمته وفيه بيان فضل اللّه على آدم وبنيه، وتكريمه حيث أمر الملائكة بالسجود له، مع بيان أثر مخالفة اللّه والتحذير من الشيطان وو وسوسته.
المعنى :
ولقد خلق الإنسان الأول أعنى آدم أبا البشر من طين جاف أصله طين أسود منتن متغير الرائحة.
وإن الإنسان منا ليقف أمام أسرار كلام اللّه ودقائقه مبهوتا متحيرا، وصدق اللّه قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [سورة الإسراء آية ٨٨].
نعم خلقنا اللّه من طين جاف له صوت إذا نقر، أصله طين أسود منتن متغير وفي هذا إشارة إلى ما فينا من طبع وما نحن عليه من خلق وغريزة! وفي الحديث « إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأسود وبين ذلك، والسّهل والحزن والطّيّب والخبيث ».
وإذا عرفنا أننا خلقنا من طين أسود منتن الرائحة (حمأ مّسنون) عرفنا السرفى في وقوعنا في الآثام، وارتماء أكثر الناس في أحضان الرذيلة ولو بحثنا لوجدنا لنا رائحة تزكم الأنوف، وتصد النفوس.