ج ٢، ص : ٢٩٤
كتبهم التي يقرءونها، وقد آمنوا ببعض وكفروا ببعض، ويكون هذا من باب التسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم حيث قال قومه إنه سحر، أو شعر، أو كهانة.
وبعضهم يقول : المقتسمون هم القرشيون الذين اقتسموا الطريق ووقف كل منهم على باب يحذر الناس من اتباع النبي ويقولون عن القرآن إنه سحر وصاحبه ساحر، وهو كذب، وصاحبه كذاب، وهو شعر وصاحبه شاعر، ولعل المعنى إنى أنا النذير المبين إنذارا بعذاب ينزل بكم كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن فرقا وأنواعا.
فاقسم بربك لنسألنهم جميعا يوم لا ينفع مال ولا بنون، عما كانوا يعملون وسنجازيهم عليه الجزاء الوافي حتى يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا.
وإذا كان الأمر كذلك، وقد نفذ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كل هذه التوجيهات وعمل بها فاصدع أيها النبي بما تؤمر.
أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتبليغ الرسالة للجميع، والجهر بها فقد مضت مرحلة الإسرار في الدعوة.
فاصدع بالذي تؤمر به وفرق به جمعهم، واجهر بدعوتك فسينشق بها حائطهم وسيصدع جدارهم، وأعرض عن المشركين، ولا تبال بهم فاللّه عاصمك منهم، ومؤيدك بروح من عنده، وكافيك شر المستهزئين بك المجاهرين لك في العداوة والبغضاء، وقد صدق اللّه وعده ونصر عبده، ونال كل من زعماء الشرك وقادة الباطل حتفهم على أسوأ صورة في غزوة بدر وما بعدها.
هؤلاء المستهزئون بك يستحقون أكثر من ذلك فهم الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر، ويشركون به من لا يملك ضرا ولا نفعا فسوف يعلمون عاقبة عملهم ونتيجة شركهم.
ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، وتتحرج نفسك بما يعملون ولكن الدواء الناجح الذي به تطمئن القلوب وتهدأ النفوس، حتى تستعذب في سبيل اللّه كل عذاب، وتعده من أكبر النعم وتمام التطهير لها.
هذا الدواء هو التسبيح والتقديس والركوع والسجود، والإكثار من العبادة والاتصال باللّه إذ هذه مطهرات للنفس مقويات للروح ومتى قويت الروح ضعفت النفس المادية التي تشعر بالألم والتعب والنصب إذا عملت في سبيل اللّه.


الصفحة التالية
Icon