ج ٢، ص : ٢٩٨
لون من الشرك وضرب من الكفر، ولهذا قرن النهى عن الاستعجال بإثبات التنزيه له عن الشرك والتعالي عن الشركاء!! ينزل الملائكة بالروح من أمره والروح هو الوحى الذي يحيى القلوب كما تحيى الروح موات الأبدان، فالإنسان بلا روح جزء من طين أسود منتن، وهو - بلا وحى يهديه - ميت لا حياة فيه أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها فالروح الذي ينزل من أمره - سبحانه - هو الحياة والنور والهدى والقرآن ينزله على من يشاء من عباده، فاللّه أعلم حيث يجعل رسالته.
وينزل الملائكة بالروح من عنده أن أنذروا أهل الكفر بأنه لا إله إلا أنا فاتقون وبأن خافوا عقابي، وارجوا ثوابي.
وفي هذه الآية يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ توكيد لسابقتها وتفصيل لإجمالها ولذا فصل بينهما، ومن دلائل التوحيد ومظاهر القدرة أيضا.. خلق السموات وما فيها والأرضين وما فيها فقد خلق العالم العلوي، والعالم السفلى خلقهما بالحق الذي لا شك فيه لم يخلقهما عبثا، ولكن ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى، تعالى سبحانه وتسامى عما يشركون، إذ هو الذي خلق وحده فهو الذي يعبد وحده.
وأما أنت أيها الإنسان فمخلوق ضعيف مهين حقير، خلقت من نطفة مذرة ونهايتك جيفة قذرة خلقت من ماء مهين، وآخرك عظم رميم. فإذا أنت خصيم مبين ؟ ؟
تخاصم ربك وتجادل رسله وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ؟ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وقد أتى أبى بن خلف الجمحي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعظم رميم (بال متفتت) وقال : يا محمد أترى أن اللّه يحيى هذا بعد ما قد رم ؟ ! ما أجهلك يا ابن آدم.
لما ذكر الإنسان وأصله ذكر ما منّ به عليه من نعم لا تحصى فذكر أنه خلق الأنعام، خلقها لكم يا بنى آدم فيها دفء من صوف ووبر، وجلد وشعر وبلحمها وشحمها تتولد الحرارة الكافية لنشاط الجسم، وفيها منافع، نعم في الأنعام منافع جمة