ج ٢، ص : ٣٠٦
ولا غرابة في ذلك فها هي ذي حال من تقدمهم من الأمم يحكيها الحق - تبارك وتعالى - بقوله : قد مكر الذين من قبلهم، وفعلوا المكايد لدين اللّه، واحتالوا بكافة الطرق أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ « ١ » هؤلاء الماكرون قديما قد أتى اللّه بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم، وهذا تمثيل والمعنى : أهلكهم اللّه فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه، وأحبط اللّه أعمالهم، وأبطل كيدهم، وانظر إلى السر في قوله تعالى : من فوقهم والسقف لا يكون إلا من فوق. السر هو تأكيد سقوط السقف، وهلاكهم تحته بسببه، وأتاهم العذاب من كل مكان ومن حيث لا يشعرون، فاعتبروا يا أهل مكة، هذا عذابهم في الدنيا..
أما في الآخرة فها هو ذا.
ثم يوم القيامة يخزيهم ويذلهم، ويقول بواسطة الملائكة لهم تأنيبا وتهذيبا : أين شركائى ؟ أين آلهتكم التي عبدتموها من دوني ؟ أين الذين كنتم تشاقون فيهم رسلي، وتعادونهم ؟ !! قال الذين أوتوا العلم من الملائكة والمؤمنين : إن الخزي اليوم والهوان، والذل والحسرة والسوء على الكافرين وحدهم.
الذين تتوفاهم الملائكة حالة كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والمعاصي، لما حضرهم الموت وبدا لهم ما كانوا ينكرون ألقوا السلم واستسلموا لقضاء اللّه، وتيقنوا أن قول الرسل حق، وأنه لا إله إلا اللّه، وقالوا لسوء تقديرهم وظنّا منهم أن ذلك ينفع :
ما كنا نعمل سوءا، فيرد اللّه عليهم بلى : قد عملتم السوء كله إن اللّه عليم بما كنتم تعلمون...
فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس المثوى والمآب مثوى المستكبرين إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ.. [سورة الصافات آية ٣٥].
المتقون وجزاؤهم [سورة النحل (١٦) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)
(١) سورة التوبة الآية ٣٢.