ج ٢، ص : ٣١٠
المعنى :
لما سدت السبل أمام المشركين، ولزمتهم الحجج الدامغة، تهربوا وقالوا : لو شاء اللّه ما أشركنا، ولا فعلنا محرما أبدا، وهم يقصدون بذلك الطعن في الرسالة : قال الشوكانى في كتابه فتح القدير :« ومقصودهم بهذا القول المعلق بالمشيئة الطعن في الرسالة أى : لو كان ما قاله الرسول حقا من المنع من عبادة اللّه، والمنع من تحريم ما لم يحرمه اللّه حاكيا الرسول ذلك عن اللّه. ولو كان هذا صحيحا لم يقع منا ما يخالف ما أراده اللّه. فإنه قد شاء ذلك وما شاءه كان وما لم يشأ لم يكن، فلما وقعت منا العبادة لغيره وتحريم ما لم يحرمه كان ذلك دليلا على أن ذلك المطابق لمراده والموافق لمشيئته، مع أنهم في الحقيقة لا يعترفون بذلك، ولا يقرون لكنهم قصدوا بذلك الطعن على الرسل.
وقال المشركون : لو شاء اللّه ما عبدنا شيئا حال كونه من دون اللّه أى غيره، نحن ولا آباؤنا من قبل، ولا حرمنا شيئا حال كونه دونه أى : دون اللّه، والمراد :
ما حرمنا شيئا مستقلين بتحريمه.
مثل ذلك الفعل ليس جديدا بل كذلك كذب الذين من قبلهم رسلهم، ولجئوا إلى مثل هذه الطرق. وجادلوا رسلهم بالباطل ليدحضوا به الحق، فهل على الرسل إلا البلاغ الواضح الذي يبين الشريعة وأحكامها! وأما علم اللّه وإرادته، فشيء آخر ولقد بعثنا في كل أمة رسولا لإقامة الحجة عليهم بأن اعبدوا اللّه حق العبادة واتركوا كل معبود سواه كالشيطان والصنم الكاهن، وكل من دعا إلى ضلال وتجاوز حدود الدين والعقل.
فمنهم من هداه اللّه ووفقه فآمن وامتثل، ومنهم من حقت عليه الضلالة وثبتت لإصراره على الذنب والمعاصي فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [سورة الشمس ٨ - ١٠].
ومن هنا نعلم أن اللّه أرسل الرسل تدعو إلى الخير وامتثال أمر اللّه، وترك عبادة الأوثان وفعل المحرمات (و هذا معنى الهداية والدلالة) ثم بعد ذلك آمن البعض وكفر البعض فمنهم شقي وسعيد، ولهذا عاقب من خالفه وأثاب من أطاعه فكان في ذلك


الصفحة التالية
Icon