ج ٢، ص : ٣١٧
الشكر له ؟ فعلوا هذا ليكفروا بما آتيناهم من نعمة، حتى كأن هذا الكفر منهم - الواقع موقع الشكر الواجب عليهم - غرضا لهم ومقصدا انظر إلى قوله : لِيَكْفُرُوا وهذا غاية في العتو والفساد ثم قال لهم ربهم على سبيل التهديد : فتمتعوا بما أنتم فيه فسوف تعلمون عاقبة أمركم ونهاية عملكم.
ثم حكى - سبحانه وتعالى - نوعا آخر من قبائحهم فقال : ويجعلون للأصنام التي لا يعلمون حقيقتها نصيبا مما رزقناهم.
أليس عجبا أن يجأر هؤلاء إلى اللّه بالدعاء إذا مسهم الضر، ثم إذا أزاح عنهم الضر أشركوا به غيره، ومع ذلك يجعلون لما لا يعلمون حقيقته من الجمادات أو لما صنعوه بأيديهم نصيبا مما رزقناهم من الأموال يتقربون به إليه... تاللّه قسما بذاته العليا لتسألن عما كنتم تفترون وتختلقون من الأكاذيب والضلالات.
وهؤلاء يجعلون للّه البنات وقد كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات اللّه..
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا! ولهم ما يشتهون من الذكور أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى [النجم ٢١] أى : جائرة. أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.
[الصافات ١٥١ و١٥٢].
إن هذا لعجيب!! البنات للّه والذكور لهم!! وهم يأنفون من البنات، وإذا بشر أحدهم بالبنت ظل وجهه مسودا، وظل كئيبا حزينا كاسف البال لأنه بشر بولادة أنثى، ويظل في حيرة من أمره أيمسك المولود الأنثى على هوان وذل وعار وفقر أم يدسه في التراب ؟ وكانوا يصنعون ذلك في الجاهلية، أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون أن يجعلوه لأنفسهم يجعلونه للّه ؟ !! ألا ساء ما يحكمون!! لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالحياة الآخرة وما فيها مثل السوء والصفة السوءى التي لا أسوأ منها، وللّه - سبحانه - المثل الأعلى والكمال المطلق وهو العزيز الحكيم.
وهو الرحمن الرحيم واسع الكرم كثير الحلم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، ولو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم، ويعاقبهم على جرمهم فورا ما ترك على ظهر الأرض من دابة، ولكنه - جل جلاله - حليم ستار غفور رحيم، وهو يؤخرهم إلى أجل مسمى عنده فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وعندئذ يأخذ المسيء جزاءه حتما بلا تأخير ولا إمهال.


الصفحة التالية
Icon