ج ٢، ص : ٣٦٠
ويقال له : اقرأ يا هذا كتابك، وكفى بنفسك في هذا اليوم عليك حسيبا وشهيدا أى :
محاسبا وشاهدا.
وإذا كان الأمر كذلك فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه فقط لأن ثواب عمله له، ومن ضل في عمله فإنما يضل على نفسه فقط، فكل شخص محاسب عن نفسه مجزى بطاعته، معاقب على معصيته، ثم أكد هذا بقوله، ولا تزر وازرة وزر أخرى أى :
ولا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلصها من وزرها، وتأخذ به الأولى، وقد كانوا يقولون، نحن لا نعذب في شيء وإن كان هناك عقاب فهو على آبائنا، إذ نحن مقلدوهم فقط، فرد اللّه عليهم أبلغ رد وآكده.
وما كنا معذبين أحدا من الناس حتى نبعث رسولا يهديهم، ويدعوهم إلى الخير، ويحذرهم من الشر، وهذه الآيات تحثنا على العمل وتدفعنا إلى الجد وعدم الكسل، وإذا أردنا أن نهلك قرية من القرى - وقد دنا وقت إهلاك أهلها ولم يبق من زمان إمهالها إلا قليل أمرنا مترفيها بالطاعات ففسقوا عن أمر ربهم، وخرجوا من طاعته.
والأمر للجميع مترفا كان أو غير مترف، وغنيا كان أو فقيرا، ولكن لما كان الأمراء والأغنياء هم القادة وغيرهم تبع، والعامة شأنها التقليد دائما، قيل :
أمرنا المترفين الأغنياء حتى كأن الفقراء غير مأمورين.
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ
[سورة إبراهيم آية ٢١].
وقيل إن المعنى : أمرنا مترفيها أى : جعلناهم كثرة يعيثون في الأرض فسادا.
وللزمخشري في كشافه رأى في قوله : أمرنا مترفيها خلاصته : أن هذا الأمر مجازى لا حقيقى، ووجهه أنه صب عليهم النعمة صبّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بالفسق لتسبب النعمة في ذلك، والنعمة أعطيت للشكر لا الكفر. فلما كفروا وفسقوا حقت عليهم كلمة العذاب فدمرهم تدميرا وفي قراءة أمرنا مترفيها أى : جعلنا أغنياءها حكامها وقادتها، وفي الأمم الضعيفة الجاهلة يكون هؤلاء الأمراء الأغنياء مصدر الشقاء والهلاك للأمة كلها.
وكثيرا ما أهلكنا أمما من بعد نوح لما بغوا وعصوا، واللّه - جل جلاله - يحصى