ج ٢، ص : ٣٩٧
فهم لا يطيقون أبدا الإقرار بأن اللّه يرسل رسولا من البشر ويقولون إذا كان ولا بد من رسول فليكن من الملائكة، ولقد زاد عنادهم وكفرهم أن الرسول محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم يتيم من فقراء قريش!! لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف ٣١].
نعم ما منعهم من الإيمان باللّه ورسوله وقت أن جاءهم الهدى الذي يخرجهم من الظلمات والجهالات إلى نور الحق والعرفان، ما منعهم من ذلك إلا اعتقادهم أن الرسول لا يكون بشرا حيث قالوا منكرين : أبعث اللّه بشرا رسولا ؟ فليس طلبهم الآيات السابقة إلا عنادا وتكذيبا، فلا تظن أن إجابتهم خير أبدا.
قل لهم لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ساكتين يعيشون مع الناس ويتفاهمون معهم ويتلون عليهم آيات اللّه، وتعرف الناس أخبارهم وأحوالهم قبل النبوة لو كان في طبيعة الملك ذلك لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا، إذ لا يعقل أن يدين الإنسان لمن لا يعرف عنه شيئا، ومن ليس بينه اتصال وألفة حتى يتم التفاهم ولقد صدق اللّه حيث يقول في سورة الأنعام وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ. وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام الآيتان ٨ و٩].
قل لهم : كفى باللّه شهيدا وحكما بيني وبينكم فإن كنت أتقول عليه ما يلبسون وأفترى عليه الكذب فيجازينى على ذلك وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [الأنعام ٢١].
وإن كنتم تكفرون باللّه الذي خلقكم. ولا تؤمنون برسوله الذي أرسل لكم، ومعه المعجزة الباقية الخالدة التي تقول بلسان الحال : صدق عبدى في كل ما يبلغه عنى :
فسيحاسبكم ربكم على ذلك ويجازيكم أشد الجزاء إنه بعباده خبير بصير.
وأنت يا محمد فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وأعلم أنه من يهديه اللّه إلى الخير فهو المهدى الموفق لأن نفسه ميالة إلى ذلك، ومن يضلله اللّه فلن تجد له أولياء من دون اللّه يتولون أمره ويدافعون عنه، وهم يوم القيامة محشرون يمشون على وجوههم.
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ « ١ » والذي أقدرهم على المشي على الأرجل يقدرهم على المشي على وجوههم مرغمين، نحشرهم عميا لا يرون ما ينفع وبكما
(١) سورة القمر الآية ٤٨. [.....]