ج ٢، ص : ٤٠٩
وقد شملهم ربك بالعطف فضرب على آذانهم في الكهف سنين معدودة، والمعنى :
أنامهم نوما ثقيلا حتى كأنهم وراء حجاب مضروب لا يسمع منه صوت.
ثم بعثهم ربك، وأيقظهم من النوم ليظهر معلومه - سبحانه - عن أى الحزبين أحصى للبثهم أمدا وغاية، وقد جعل علمه أى الحزبين أحصى ؟ غاية وعلة للبحث إذ سيظهر عجزهم، ويفضون أمرهم، ويحاولون أن يتعرفوا حالهم فيزدادوا يقينا على يقينهم، وهذا لطف بالمؤمنين في زمانهم، وآية بينة للكافرين.
وهذه خلاصة للقصة بالإجمال وهاك التفصيل.
نحن نقص عليك خبرهم المهم ذا الشأن والخطر، أما حواشى الأخبار وتوافهها فلا يتجه لها القرآن، نقصه قصصا متلبسا بالحق لا زور فيه ولا بهتان ومن أصدق من اللّه حديثا ؟
إنهم فتية آمنوا بربهم إيمانا صادقا خاليا من ضروب الشرك وآثامه، وزادهم هدى، وربط على قلوبهم، وقواها حتى لم يعد فيها مكان للشك والنفاق إذ قاموا مجاهرين قائلين، ربنا رب السموات والأرض وما فيهن، لن نعبد من دونه إلها إننا إن عبدنا غيره، وقلنا به لقد قلنا قولا ذا شطط، متجاوزين حدود العقل والدين : هؤلاء قومنا البعيدون في درجات الجهل والحماقة اتخذوا آلهة متجاوزين بها اللّه فاطر السموات والأرض من غير علم ولا دليل.
هلا يأتون على ألوهيتهم بسلطان بين، وحجة ظاهرة! لا حجة لهم أبدا ولكنه الشرك والتقليد الأعمى.
فلا أحد أظلم ممن افترى على اللّه كذبا وزورا باتخاذ الشركاء والآلهة.
وإذ اعتزلتموهم يا أهل الكهف، وفارقتموهم في الاعتقاد، واعتزلتم عبادتهم وما عبدتم إلا اللّه الواحد القهار فأووا إلى الكهف، لتعتزلوهم جسميا بعد فراقهم روحيا، إن تأووا إليه ينشر لكم ربكم من رحمته في الدارين، ويهيئ لكم ويصلح من أمركم الذي أنتم بصدده من الفرار بالدين مرفقا ترتفقون به، وتنتفعون.
هذا حالهم قبل دخولهم في الكهف. أما بعد الدخول فيه فيقول اللّه :


الصفحة التالية
Icon