ج ٢، ص : ٤١٧
بلسان الحال لا بلسان المقال فاعتبروا يا أولى الأبصار واضرب لهم رجلين مثلا هذا بيانه : جعلنا لأحدهما وهو الكفار بستانين من الكروم المتنوعة، وجعلنا النخل محيطة بهما، وجعلنا وسطها زروعا حتى يجمعا بين القوت والفاكهة وهما بهذا الوضع لهما الشكل الأنيق، والوضع السليم.
كلتا الجنتين آتت أكلها كاملا غير منقوص شيئا، وقد فجر اللّه وسط كل حديقة نهرا على حدة ليسقيها بلا تعب ومشقة، ويزيدهما بهاء وروعة، وكان لهذا الكافر ثمر ومال من غيرهما إذ كان من الأثرياء الكبار.
فقال يوما لصاحبه : وهو يحاوره ويجادله شأن كل غنى مغرور مع مؤمن فقير صالح، وقد روى أنهم أخوان ورثا مالا أما الكافر فاستغله في أرض ودار وزوجة وخدم وحشم وأما المؤمن فأنفق نصيبه في سبيل اللّه.
يا أخى : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا وأكثر خدما وولدا، ودخل مع صاحبه جنته الواسعة العريضة، الجنة ذات الجناحين الجنة التي ليس له غيرها إذ هي متاعه في الدنيا وليس له في الآخرة من نصيب، دخلها وهو ظالم لنفسه معجب بما أوتى، مفتخر به كافر بالنعمة، معرض بذلك نفسه لسخط اللّه وهو أفحش أنواع الظلم : وماذا قال ؟
قال لطول أمله وشدة حرصه، وتمام عقله، وكثرة غروره بها قال : ما أظن أن تبيد وتفنى هذه الجنة أبدا، وما أظن الساعة قائمة فيما سيأتى، وأقسم لئن رجعت إلى ربي على سبيل الفرض، أو كما يزعم صاحبنا المؤمن لأجدن جنة خيرا من هذه الجنة مرجعا وعافية، وأقسم لقد سمعنا من جهلتنا المنتسبين للإسلام مثل هذا القول « غنى الدنيا غنى الآخرة » فهم لسوء فهمهم يظنون أن اليسار والغنى إنما يعطى في الدنيا لاستحقاقه ذلك إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً.
وما علم هذا المغرور أن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة وإلا ما سقى الكافر منها جرعة ماء، وإن الإنسان قد يعطى استدراجا.
وماذا قال له أخوه المؤمن ؟ قال وهو يحاوره : يا أيها الإنسان : أكفرت بالذي خلق أباك الأول من تراب ثم خلقك أنت من نطفة ثم سواك فعدلك رجلا سويا ؟ ! أبعد هذا تقول : ما أظن الساعة قائمة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ الآية من سورة الحج.