ج ٢، ص : ٤٣٩
الضار الذي ينفخ صاحبه ثم يهلك به بالحبوط وَزْناً المراد لا نعبأ بهم، ولا يكون لهم عندنا قدرة.
وهذا رجوع إلى الأساس الأول في السورة وهو إثبات البعث.
المعنى :
يقول الحق - تبارك وتعالى - : وتركنا عبادنا يوم يأتيهم وعدنا الذي وعدناهم بأنا ندك الجبال دكا، وننسفها عن الأرض نسفا، فنذرها قاعا صفصفا تركناهم يومئذ يموج بعضهم في بعض كموج البحر مضطربين مختلطين، وذلك في أول أيام القيامة، ونفخ في الصور النفخة الأولى فصعق من في السموات والأرض أى : مات وهلك حتى الملك الذي نفخ فيه ثم نفخ فيه أخرى - وهي المراد هنا - فإذا هم قيام ينظرون ماذا يحل بهم بدليل قوله - تعالى - فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً فإن الفاء تشعر بذلك والمعنى :
جمعنا الخلائق بعد تلاشى أبدانهم ومصيرها ترابا جمعا تاما على أكمل صفة وأبدع هيئة.
وعرضنا جهنم يومئذ على الكافرين عرضا، لا يكون ذلك إلا بإبرازها وإظهارها حتى يشاهدوها، وما فيها، وفي هذا تنكيل بهم، وإيلام لهم، وأى إيلام ؟
هم الكافرون الذين كانت أعينهم القلبية في غطاء وساتر عن آياتي التي يشاهدها من له عقل رشيد، وقلب سليم فيذكر اللّه بالتوحيد والتمجيد، وآيات اللّه تشمل آياته الكونية والقرآنية.
وكانوا لا يستطيعون سمعا لكلام اللّه، وكلام رسوله وصدق اللّه، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ.
أكفروا فحسبوا أن يتخذوا عبادي كالملائكة وبعض الخلق من دوني أولياء ؟ فظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبير آيات اللّه، وتعاميهم عن قبول الحق ؟ ! أكافيهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ؟ ! لا يكفيهم هذا ولن ينفعهم كما ظنوا، ولا غرابة في ذلك لأن اللّه أعد جهنم للكافرين وهيأها لهم كما يهيأ المنزل للضيف، وفي هذا استهزاء بهم وأى استهزاء ؟


الصفحة التالية
Icon