ج ٢، ص : ٤٦٦
ثم بعد هذا لننزعن من كل شيعة الذي هو أشد على الرحمن عصيانا وفسوقا، والمعنى نختار من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم فإذا اجتمعوا في غل واحد طرحناهم في الحجيم على الترتيب نقدم أولاهم بالعذاب فالذي بعده وهكذا.
ثم لنحنأعلم بالذين هم أولى بجهنم صليا ودخولا، ومن هذه الآية وأشباهها نعلم أن اللّه - سبحانه وتعالى - جعل لأئمة الكفر وقادة الضلال عذابا أشد، ودركا أسفل في النار الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النحل ٨٨] وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت ١٣].
وإن منكم من أحد إلا واردها، كان على ربك حتما مقضيا، وفي هذه الآية الحكم بورود جميع الخلق على النار، ومن هنا اختلف المفسرون في معنى الورود. فهل هو الدخول بالفعل ؟ أو هو المرور عليها من غير دخول ؟ قيل الناس جميعا يدخلونها فأما المؤمنون فتكون عليهم بردا وسلاما، وروى في تلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن ذلك فقال. إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد وردتموها وهي جامدة
، وأما قوله - تعالى - : إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ « ١ » فالمراد أنهم مبعدون عن عذابها، ولعل الحكمة في الورود بهذا المعنى ليروا ما أعد للكافرين والعصاة، وما أعد لهم فيزدادوا فرحا وسرورا، وليمتلئ قلب الكافر حسرة وندما على ما فرط منه.
ويجوز أن يراد بالورود الجثو حولها فقط من غير دخول فيها، أو الورود بمعنى المرور على الصراط أما المؤمنون فينجون وأما الكافرون فيسقطون، ويرشح هذا أن قول العرب « وردت القافلة البلد » لا يلزم منه دخولها وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ « ٢ » ولعل الرأى الأول أرجح وهو تفسير الورود بالدخول لقوله تعالى.
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا حيث لم يقل وندخل الظالمين، ولتظاهر السنة الشريفة على هذا المعنى.
وهذا كله إذا أريد العموم في قوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها أى : من الناس جميعا فإن أريد الكافرون فقط فلا خلاف في معنى الورود.

_
(١) سورة الأنبياء الآية ١٠١.
(٢) سورة القصص الآية ٢٣.


الصفحة التالية
Icon