ج ٢، ص : ٤٦٨
المعنى :
وإذا تتلى على هؤلاء الكفار الذين تقدم الكلام عليهم في قوله : وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا إلى قوله : وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا وإذا تتلى عليهم آياتنا حالة كونها بينات المعنى واضحات الحجة قال الذين كفروا لأجل الذين آمنوا. وفي شأنهم. أى : الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ؟ ويحتمل أن الكافرين قالوا مخاطبين المؤمنين : أى الفريقين - فريق المؤمنين وفريق الكافرين - خير إقامة وأحسن ناديا ومجلسا!! وذلك أن زعماء الكفر كانوا ينظرون لأنفسهم. وقد جهلوا كل شيء إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فيرون أنفسهم في غنى وسعة، والمؤمنون في شظف من العيش وقلة في العدد فيقولون. لو كان هؤلاء على حق ونحن على باطل كما يدعون لكان العكس.
ولكانوا هم أكثر مالا وأعز نفرا، وغرضهم من ذلك زعزعة المسلمين في عقائدهم موهمين بعضهم أن من كان كثير المال كان على الحق والصواب، ومن الأسف أن بعض جهلة الأغنياء من المسلمين يفهم هذا، ويقول به.
فيرد اللّه ويقول ما معناه : وكثير من الأمم السابقة كانوا أحسن أثاثا ومنظرا منكم وأكثر عددا وعدة أهلكناهم لما كفروا باللّه.
قل لهم يا محمد. من كان في الضلالة سادرا، وفي العماية سائرا حيث يقول هذا القول المخزى أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا يمده اللّه ويملى له في العمر مدا حتى يطول اغتراره فيكون ذلك أشد لعقابه.
ونظيره قوله - تعالى - إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً « ١ » وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « ٢ » وهذا غاية في التهديد، وقيل هو دعاء من النبي عليهم بذلك حتى إذا رأوا ما يوعدون من العذاب في الدنيا بالقتل والأسر وظهور الدين الحق وهم كارهون أو يظلمهم يوم القيامة بعذابه اللافح وحسابه الشديد عن ذلك يرون من هو شر مكانا وأضعف جندا.
وخلاصة الكلام أن اللّه يمد لمن هو في الضلالة حتى يرى واحدا من اثنين إما عذاب الدنيا وإما عذاب يوم القيامة فإذا رأى ذلك علم من هو شر مكانا ومن هو أضعف
(١) سورة آل عمران الآية ١٧٨.
(٢) سورة الأنعام الآية ١١٠.