ج ٢، ص : ٤٧٨
شديدين حتى قال بعض الكفار له، ما أنزل عليك القرآن إلا لتشقى، وقال له النضر ابن الحارث وأبو جهل بن هشام، إنك يا محمد شقي لأنك تركت دين آبائك وأجدادك، وقد كان يقوم بالليل حتى تتورم قدماه فقيل له، يا طه ما أنزل عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ أو لتتعب بكثرة العبادة. ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن تحملهم على الإيمان فالقرآن ما نزل إلا تذكرة وموعظة لمن يخشى ومن هنا تعرف السر في فساد بعض القلوب، وأنها لا تتذكر بالقرآن، السر هو أن عنصر الخشية مفقود عندهم، الخشية من اللّه ومن حسابه، والخوف من الضمير ومن تأنيبه والمجتمع الإنساني ولومه، فالقرآن تذكرة وشفاء وهدى ونور لمن يخشى اللّه من الناس، ومن له قلب فيه شيء من الخوف.
أما النفوس الميتة، والقلوب التي هي كالحجارة أو أشد قسوة فأصحابها صم بكم لا يعقلون!! هذا هو القرآن الكريم. أما صاحبه والذي أنزله فهذا خبره.
ونزلناه تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى، فهو المقتدر الحكيم الخبير والعليم البصير..
هو الرحمن المنعم بجلائل النعم ودقائقها، على العرش استوى واللّه - سبحانه وتعالى - ليس بجسم ولا يشبه شيئا من الحوادث فاستواؤه على العرش نؤمن به على أنه بلا كيف ولا انحصار، وهذا رأى السلف وهو قبول ما جاء في تلك من الكتاب والسنة كقوله تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [سورة الفتح آية ١٠] من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل.
أما الخلف فقالوا هذا كلام ليس على حقيقته بل هو مؤول، المراد بالاستواء الاستيلاء والقهر والتصرف الكامل، والعرش هو الملك، للّه ما في السموات والأرض وما بينها وما تحت الثرى مما لا تراه العيون، له كل ذلك مما نعلم، ومما نعلم ملكا وخلقا وتصريفا - سبحانه وتعالى -، وهو عالم الغيب والشهادة المحيط بكل شيء الذي يستوي عنده الجهر بالقول والإسرار به، بل هو يعلم السر ما هو أخفى منه مما لم تحدث نفسك به، اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى التي تدل على كمال التقديس وتمام التنزيه.


الصفحة التالية
Icon