ج ٢، ص : ٤٩٠
المعنى :
اذهب يا موسى أنت وأخوك إلى فرعون وملئه إنه طغى وجاوز الحد المعقول في الشرك باللّه، وتعذيب بني إسرائيل : اذهبا إليه فقولا له قولا لينا لا خشونة فيه، وجادلاه بالتي هي أحسن فهو رجل مغرور كافر معاند لعله يتذكر أو يخشى.
قالا : يا ربنا، إننا نخاف أن يفرط علينا، ويبادرنا بالعقوبة ويطغى، والخوف من الظالم الجبار لا ينافي التوكل على الواحد القهار، والأخذ بالأسباب والمسالك، على أن الخوف من طبيعة البشر.
قال اللّه لهما : لا تخافا من شيء إننى معكما أسمع كل شيء يسمع، وأبصر كل شيء يبصر، وأرى كل شيء يرى، نهاهما اللّه عن الخوف من فرعون لأنه معهما بالمعونة والنصر وهو يعلم بكل ما يحصل لهما، وليس بغافل عنهما.
ثم أمرهما بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعد أمرهما بالذهاب إليه فلا تكرار.
فقولا له : إنا رسولا ربك أرسلنا إليك، فأتياه وقالا له ذلك، وأمرهما أن يقولا :
فأرسل معنا بني إسرائيل، ولا تحجزهم وخل عنهم، ولا تعذبهم، وقد كانوا في عذاب أليم، وتعب شديد كما مضى، وقد جئناك يا فرعون بآية دالة على صدقنا، وقيل إن فرعون قال : ما هي ؟ فأدخل موسى يده في جيبه ثم أخرجها بيضاء، لها شعاع مثل شعاع الشمس، فعجب منها، ولم يره العصا إلا يوم الزينة.
والسلام من سخط اللّه وعذابه حاصل لمن اتبع الهدى وليس تحية لأن المقام ليس مقام تحية.
ولما فرغ موسى مما قال - وذكر لفرعون أنه يريد إطلاق بني إسرائيل ليعبدوا ربهم في البرية، وفرعون ملك جبار تدين له الأمة المصرية وتذعن لقداسته، وقد رأى من موسى أمرا لا يقره ولا يرضاه حيث قال له : إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل وهو يقول للناس أنا ربكم الأعلى، ويستذل الإسرائيليين ويستعبدهم في أغراضه - أخذ يجادل موسى ويحاجه.
ولما علم موسى وهارون عدم إيمانه، وتماديه في الباطل قالا له : إنا قد أوحى إلينا


الصفحة التالية
Icon