ج ٢، ص : ٤٩٦
- أن السحر لا يفعل هذا أبدا وإنما هي القوة الإلهية صنعت هذه المعجزة، فخروا للّه ساجدين، وآمنوا برب العالمين، رب موسى وهارون مفضلين ذلك على الأجر الدنيوي مؤثرين الحق على الباطل، والباقية على الفانية!! ماذا يفعل فرعون ؟ إنه لموقف جد خطير قد جمع الناس جميعا وجمع السحرة من كل مكان، وقد أفهم الشعب الذي يقدسه أن نهاية موسى وهارون في ضحى الغد، يوم يجتمع الناس في وفاء النيل.
ولم يعد موسى وهارون وحدهما بل صار معهما السحرة والعلماء في قومه!! فلا بد أن يختصم الجميع، ويتهم الكل، وإن كان مخالفا للعقل والمنطق.
فقال للسحرة سترا لموقفه : إنه لكبيركم وأستاذكم الذي علمكم السحر ولهو أقوى منكم، وغلب سحره سحركم، وهو يريد بهذا أن يخرج المسألة عن نطاق المعجزة الإلهية إلى دائرة سحر السحرة.
قال هذا مع علمه أن موسى رحل إلى مدين صغيرا، وعاد منها قريبا، ولم يتصل بالسحرة مطلقا فضلا عن كونه أستاذهم، ولكنه المقهور المغلوب يلتمس لنفسه العذر وإن كان لا يغنى شيئا.
ثم أخذ يتجنى عليهم ويؤنبهم بقوله : آمنتم به قبل أن آذن لكم، فهم أذنبوا حيث لم يستأذنوا، وهو لهذا أقسم ليقطعن أيديهم وأرجلهم من خلاف، وليصلبنهم على جذوع النخل، ولتعلمن أيها السحرة أينا أشد عذابا وأقوى ؟ وهو إذ يضع نفسه في كفة وموسى في كفة أخرى إنما يستهزئ ويفتخر.
هذا هو فرعون مصر، وذلك بطشه الشديد، وتهديده الكثير، أما الإيمان العميق المبنى على الفهم الدقيق فقد جعل السحرة يقولون : لن نؤثرك يا فرعون ونختارك على ما جاءنا من البينات والهدى لن نفضل نعمتك على ما هدانا اللّه إليه والذي فطرنا وخلقنا فاقض بما تشاء واحكم بما تريد، إنما تقضى وتحكم في هذه الحياة الدنيا، ولن تنال إلا من جسمنا الفاني تقطع منه أو تقتله أما الإيمان واليقين فذلك شيء لن تنال منه.
وذلك إنا آمنا بربنا وصدقنا برسالة نبينا رجاء أن يغفر لنا خطايانا، وما أكرهتنا عليه من السحر، واللّه - سبحانه - خير وأبقى، والدار الآخرة للذين يتقون، وكيف


الصفحة التالية
Icon