ج ٢، ص : ٥١٨
وأسروا النجوى وقال الظالمون منهم : ما هذا إلا بشر مثلكم فكيف يكون رسولا إليكم ؟ وهو لا يتميز في شيء عنكم.
أفتأتون السحر ؟ ومحمد لم يأت إلا بالسحر فكيف تجيئون إليه وتتبعونه ؟ والحال أنكم تبصرون الأمور على حقيقتها، ولستم غفلا.
ولكن اللّه أطلع رسوله على ما تناجوا به، وقالوه في السر العميق، وأمره أن يقول لهم : ربي يعلم القول مطلقا سواء جهرتم به أو أسررتم، وسواء كان في السماء أم في الأرض فإنه يعلم السر وأخفى، وهو السميع لكل ما يسمع العليم بطوايا النفوس وخطرات القلوب.
وصفوا رسول اللّه بأنه ساحر وأن ما يقوله سحر، إذ خفى عليهم سببه، مع أنه يبهر العقول، ويأتى بالأعاجيب.. ثم أضربوا عن ذلك ووصفوه بأنه أضغاث أحلام مفتراة، لا نسق فيها ولا نظام، ولا أساس لها ولا تأويل، ثم نظروا إلى القرآن وإلى ما قالوه فيه فعدلوا عن الحكم الأول والثاني وقالوا : لا : بل قد افتراه واختلقه من عند نفسه، وإنه كاذب في دعواه أنه من عند اللّه.
ثم أضربوا عن ذلك، وقالوا : بل هو شاعر يؤثر ببليغ كلامه فيفرق بين المرء وأخيه، وأمه وأبيه.
أليس في هذا الاضطراب والتردد، والتلون وتغيير الحكم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به، أو عرفوه ولكنهم في حماقة المغلوب ويأس المهزوم رموه بالسحر تارة. والكذب وغيره تارة أخرى.
ثم انتقلوا إلى ناحية أخرى فقالوا : إن لم يكن كذلك فليأتنا بآية غير القرآن كما أرسل موسى بالعصا، وصالح بالناقة، ولقد كان سؤالهم هذا سؤال تعنت، ويعلم اللّه أنهم لا يؤمنون ولو نزل عليهم ما طلبوا وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا [سورة الأنعام آية ١١١].
اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال فقال اللّه مجيبا لهم :
ما آمنت قبلهم قرية من القرى بعد إجابتهم إلى ما اقترحوا، وقد أهلكناهم بسبب