ج ٢، ص : ٥٢٢
الصحيح الذي يوصل إلى العبادة الخالصة لخالقهما، وكانت من نعم اللّه على خلقه ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [سورة الدخان آية ٣٩] فانظروا لها واعتبروا بها.
لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا، ومن جهة قدرتنا، ولكنا لم نرد إلا الحكمة والصواب فيما خلقنا وفعلنا، وما كنا فاعلين اللهو واللعب أبدا.
وبعضهم يفسر اللعب بالولد، واتخاذه من لدن اللّه أى : من الملائكة، وذلك ردا على من اتخذ المسيح أو عزيرا ابنا للّه - سبحانه وتعالى -.
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه، وبل هنا إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب، وتنزيه منه لذاته كأنه قال : سبحاني! لا أتخذ اللهو واللعب من عاداتي، بل من صفاتنا وموجب حكمتنا، وتنزهنا عن القبيح أن نغلب الجد على اللهو واللعب، وندحض الباطل بالحق، استعار القذف والدمغ لضياع الباطل وفنائه، لتصويره بالصورة الحسية المؤثرة، وبيان أثر الحق في محو الباطل ومحقه، فجعل الحق كأنه جرم صلب كالصخرة يقذف به في وجه الباطل، وهو رخو لين، فدمغه وشج رأسه، حتى لم يعد له بقاء في الوجود.
إنه لتصوير رائع مؤثر يهز النفوس، ويستولى على المشاعر، ويجعلنا نتصور الباطل كسير الجناح، ذليل النفس، مشوه الوجه فَإِذا هُوَ زاهِقٌ.
ولكم أيها الظالمون المشركون الويل والثبور والهلاك والدمار، مما تصفون به ربكم من اتخاذ الولد والشريك - سبحانه وتعالى -، وكيف يكون ذلك ؟ وله من في السموات والأرض، ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا، فكيف يكون له فيهما شريك ؟
ومن خلقه فيهما مجادل ومخاصم ؟ ! ومن عنده من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته، والعندية عندية مكانة وتشريف فكيف بكم تستكبرون عن عبادته ؟
والملائكة همهم العبادة ليلا ونهارا، لا يستكبرون ولا يعيون، ولا يتعبون، خلقوا هكذا، ليس فيهم داعية من دواعي الشر، وهم لا يفترون...