ج ٢، ص : ٥٧١
ولما أدى جداله إلى الضلال، وكانت عاقبته خسرا، جعل كأنه غرضه، ولما كان الهدى في استطاعته، وتحت سمعه وبصره، ولكنه تركه وأعرض عنه، وأقبل على الجدال بالباطل جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال وبئس المصير.
وهؤلاء لهم في الدنيا خزي وهلاك، وهوان وذل، وفي يوم الجزاء يذوقون عذاب الحريق.
ذلك الجزاء الكامل المناسب بسبب ما قدمته يداه، وبسبب أنه - سبحانه وتعالى - الحكم العدل، وعدله يقتضى معاقبة الفجار، وإثابة الأبرار : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [سورة النجم آية ٣١]، وما ربك بظلام للعبيد، فيما يجازى به كلا على عمله.
صنف آخر أمره عجب!! يعبد اللّه عبادة ليست صادقة خالصة، عبادة ليس فيها صدق نية، ولا إخلاص في الطوية، عبادة باللسان وترديد في الكلام. لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالط بشاشة الدين روحه، فهو دائم القلق والاضطراب، كمن يجلس على حرف الجبل وحده لا يهدأ له قرار، ولا تسكن له نفس.
هؤلاء هم المنافقون، أو المنافقون صنف منهم يعبدون اللّه على خوف وشيك، فإن أصابه خير من غنيمة ومال، وزيادة في النسل والإنتاج رضى عن هذا الدين.
وإن امتحن بالبلاء، واختبر في الضراء بنقص في المال أو الأنفس، أو هلاك في الثمرات والغلات ينقلب على وجهه، ويرتد معلنا سخطه وعدم رضاه.
وهؤلاء خسروا الدنيا بما أصابهم، وخسروا الآخرة إذ لا ثواب لهم على ما أصابهم فإنهم لم يصبروا ولم يحتسبوا.
وذلك هو الخسران الكامل، والضلال المبين.
ومن ذكر من الكافرين أو المترددين المنافقين، يدعو من دون اللّه ما لا يضره، ولا ينفعه، وإنما يتمسك ويتجه إلى ما لا يفيد أصلا، بل لا ينفع نفسه، وذلك هو الضلال الموغل في الضلالة البعيد جدا عن الصواب.
يدعو من ضره أقرب من نفعه، إذ هو سبب كفره وعذابه، لبئس هذا المولى والناصر ولبئس هذا العشير والصاحب.