ج ٢، ص : ٥٩٠
أنهم ظلموا في كل ما لحقهم من الكفار، وإن اللّه على نصر المؤمنين لقدير، ينصرهم بغير حرب ولا تعب، ولكن يريد اللّه من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، وليمحص اللّه الذين آمنوا، ولو يشاء اللّه لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض.
ثم وصف هؤلاء المؤمنون بقوله : الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ أى مكة بغير حق يقتضى الإخراج. لكن لقولهم : ربنا اللّه، وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سورة البروج آية ٨].
أيها الناس : لا تعجبوا من إذن اللّه لأوليائه بالقتال، ووعدهم بالنصر على أعدائهم وحثهم على القتال، فلو لا ما شرعه اللّه للأنبياء والمؤمنين من قتال أعداء اللّه وأعدائهم قديما وحديثا لاستولى أهل الشرك عليهم، ولضاعت مواضع العبادة في الأرض، وهدمت صوامع الرهبان، وبيع النصارى وكنائسهم، وصلوات اليهود وكنائسهم، وكذلك مساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم اللّه ذكرا كثيرا.
وواللّه لينصرن اللّه من ينصره، إن اللّه لقوى قادر. عزيز لا يغالب ومن ينصره اللّه هو من ينصر دينه ويتبع أمره ونهيه، ويطيع رسوله وكتابه، واللّه - سبحانه وتعالى - أقسم لينصرنه، ومن أصدق من اللّه حديثا : إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ، أفبعد صريح القرآن نطلب من اللّه النصر والدفاع. وما نصرنا دينه إلا بالانتساب إليه بالاسم فقط. أما القرآن، وحكمه، أما روح الدين والخوف من اللّه، فشيء في الكتب فقط، ويردد على اللسان فحسب، ولقد صدق اللّه : وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سورة سبأ آية ١٣].
من ينصره اللّه هم الذين إن مكناهم في الأرض وأعطيناهم السلطان على الناس، أتوا بأربعة أمور عليها ينبنى الملك، وبها تؤسس الدولة الصالحة وهي :
(أ) إقامة الصلاة كاملة تامة في أوقاتها وبشروطها، إذ هي الواجب العملي الأول على كل مسلم، وهي الصلة بين العبد وربه، وهي مطهرة للنفس، وتقوية للروح، وتجديد لمعنى الإسلام، ودواء لكل داء إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت آية ٤٥] وإقامة الصلاة لامتثال العبد أمر اللّه كله.
(ب) إيتاء الزكاة. والحوادث التي مرت بالعالم في العصر الحديث، وما نتج من


الصفحة التالية
Icon