ج ٢، ص : ٥٩٧
هذه الرواية، رواية باطلة، وإن تكن رواية بعض المفسرين وكيف تصح ؟ !! ولو جوزناها لارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل حكم أن يكون فيه زيادة أو نقص من قبل الشيطان على أن هذه الرواية وأمثالها تفتح باب الطعن والشك، وتكون سلاحا في يد أعداء الإسلام، وأعداء الأديان كلها، ولا ينفعنا أن ذلك بشكل واسع في الكتب السابقة. وهل تساعد اللغة تفسير (تمنى) بقرأ ؟ أظن لا!! وكيف نجوز هذا واللّه يقول وهو أصدق القائلين :
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ « ١ » ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ « ٢ ». وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [سورة النجم الآيات ٣ - ٥] وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا [سورة الإسراء ٧٣ و٧٤] وقد عرفنا تفسيرها ووقفنا على معناها.
عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [سورة الجن الآيات ٢٦ - ٢٨].
وقال القاضي عياض في كتاب الشفاء « لقد أجمعت الأمة على أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يبلغه عن ربه، معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا.
واعلم - أكرمك اللّه يا أخى - أنهم خرجوا هذا الحديث المسمى بحديث الغرانيق على أن أصله واه، وقال علماء الحديث : إنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه بسند سليم متصل ثقة، وإنما أولع به وبمثله جماعة من المفسرين والمؤرخين بعضهم بحسن نية، وقال أبو بكر البزار : هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بإسناد متصل يجوز ذكره.
وإذا سلمنا بالحديث على أنه مروى بعدة روايات وإن تكن كل واحدة ضعيفة إلا أن كثرة طرقها تجعلنا نقبله بتحفظ ونؤوله بما يتفق مع المبادئ العامة الإسلامية، بل

_
(١) سورة الحاقة الآيات ٤٤ - ٤٦. [.....]
(٢) سورة يونس الآية ١٥.


الصفحة التالية
Icon