ج ٢، ص : ٦٠١
الليل في النهار بزيادة وقته على حساب النهار مُخْضَرَّةً ذات خضرة سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ذلل لكم ما في الأرض تنتفعون به وتذللونه.
المعنى :
- الملك يومئذ للّه يحكم بين عباده فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم، والذين كفروا وكذبوا بآياته لهم العذاب المقيم خالدين فيه أبدا.
والذين هاجروا في سبيل اللّه، وتركوا أوطانهم وديارهم في سبيله وكرسوا حياتهم للجهاد مع رسوله، وإنما خص هؤلاء بالذكر لسمو قصدهم وعلو مكانتهم عند ربهم، وهؤلاء الذين هاجروا ثم قتلوا بعد ذلك أو ماتوا ليرزقنهم اللّه رزقا حسنا، وانظر إلى علو مكانتهم عند ربهم إذا قتلوا أو ماتوا.
ليرزقهم اللّه رزقا حسنا من عنده. وهو خير الرازقين إذ يعطى بغير حساب وينفق كما يشاء، وكل عطاء فهو من فضل عطائه، ليدخلنهم مدخلا يرضونه يوم القيامة، وهذا المدخل الكريم ما أعد لهم في الجنة من النعيم المقيم، وهذه الجملة بيان للرزق الحسن إذ لا يعقل أن يكون رزقا في الدنيا بعد الموت أو القتل إلا على التأويل، ولا غرابةفي ذلك فاللّه هو العليم بأسرار النفوس، وطوايا القلوب، حليم بعباده لا يعاجل بالعقوبة بل يعفو ويغفر، ويمهل ولا يهمل.
الأمر ما قصصناه عليك من إنجاز ما وعدنا المهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا. أى الأمر ذلك.
روى أن طوائف من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم. ورضى عنهم قالوا : يا رسول اللّه : هؤلاء الذين قتلوا في سبيل اللّه قد علمنا ما أعطاهم اللّه من الخير، ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك ؟ أى فما حالنا لو متنا بلا قتل ؟ !! فأنزل اللّه هاتين الآيتين - وهما يفيدان التسوية بين من مات على فراشه ومن قتل في سبيل اللّه... وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [الحج ٦٠].
ووضع هذه الآية هنا يفيد معناها : أن هؤلاء المهاجرين المقاتلين في سبيل اللّه مع إكرامى لهم في الآخرة بما عرفتم لا أدعهم بل أنصرهم في الدنيا على أعدائهم، وهذا مشروط بنصرهم للّه إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ [سورة محمد آية ٧].


الصفحة التالية
Icon