ج ٢، ص : ٦٢٢
المعنى :
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال : يا قوم اعبدوا اللّه وحده فهو صاحب الفضل عليكم، ولا يستحق العبادة غيره، لأن غيره لم ينفع أحدا بل قد يضره. وعلى هذا فليس لكم إله غير اللّه يستحق العبادة، أفلا تتقون ؟ !! هكذا دعاهم نوح إلى عبادة اللّه، ولكن أشراف قومه يكرهون ذلك : لخوفهم من الدين الجديد الذي يزيل الفوارق، ويعامل الناس على السواء، كرهوا من نوح أن يدعو إلى عبادة اللّه، إذ هو سيكون متبوعا، وهم تابعون، وهذا شيء يؤلمهم. فدفعهم الكبر والغرور، والحسد والحقد، إلى أن يتزعموا الخارجين على الدعوة المناوئين لنوح - عليه السلام - ويقولون : ما هذا - أى نوح - إلا بشر مثلكم من عامة الناس يريد أن يتفضل عليكم، ويستأثر بالتعاظم وحده عليكم حيث يدعى أنه رسول اللّه إليكم، وهو بشر مثلكم لم يزد عنكم في شيء فكيف تسلمون له بالزعامة والقيادة ؟
ولو شاء اللّه حقيقة - كما يدعى نوح - أن يرسل رسولا لأنزل ملائكة من السماء رسلا عنه فإن هذا أدعى للإيمان، وأدل على الصدق، فهم لقصر عقولهم وسوء تفكيرهم يعتقدون أنه لا يمكن أن تكون الرسالة مع البشر، على أنا ما سمعنا بهذا الذي يدعيه نوح في آبائنا الأولين، فما الذي جرى حتى يأتى نوح ويدعى الرسالة ؟ ! وما نوح إلا رجل مجنون حيث يدعى ذلك فتربصوا به ريب المنون، وانتظروا موته، وهو آت بلا شك وستستريحون منه.
وهكذا كانت شبههم، وهي أوهى من بيت العنكبوت، ولذا لم يعن القرآن بالرد عليها، لأن بطلانها ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
فلما ضاق صدر نوح منهم ومن أعمالهم دعا ربه أنى مغلوب فانتصر، وقال : رب انصرني وأهلكهم بسبب تكذيبهم لي، فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بأعيننا وتحت رعايتنا وكلاءتنا، وهذا وحينا جبريل يهديك ويعلمك كيف تصنع السفينة ؟
فإذا جاء أمرنا، وشأننا العظيم، وقد فار التنور، وزاد الماء، وبلغ الربى فأدخل في السفينة من كل حيوان زوجين اثنين ذكر وأنثى ليبقى التناسل في الدنيا، واحمل فيها أهلك الذين آمنوا فقط لكن من سبق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون فلا تحملهم