ج ٢، ص : ٦٣٠
المعنى :
يأمر اللّه - تبارك وتعالى - الرسل جميعا بالأكل من الحلال والطيبات من الرزق، وبالعمل الصالح، ثم يحذرهم ويخوفهم من حسابه فإنه عليم خبير.
روى عن أبى هريرة - رضى اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم « أيّها النّاس إنّ اللّه طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال :
يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ « ١ »
، ثم ذكر الرسول :
« الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذّى بالحرام فإنّى يستجاب له » ؟ ؟
وهذا يدل على أن أكل الحلال عون على عمل الصالح من الأعمال، وعلى ما للأكل من أثر في توجيه النفس ناحية الخير أو ناحية الشر، إذ الأكل غذاء للبدن وقوة له، فإذا كان الغذاء طاهرا نقيا، طيبا حلالا كان وقودا نظيفا يدفع صاحبه إلى العمل الطيب، وبالعكس إذا كان الغذاء حراما خبيثا دفع صاحبه إلى السيئ من الأعمال.
وهذا الأمر للرسل جميعا وبخاصة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولأنه المخاطب أولا وبالذات وفي هذا دليل على عظم المأمور به، وأنه أمر عام أمر به جميع الرسل لخطورته.
وقد سوى اللّه بين الأنبياء جميعا، وبين المؤمنين في وجوب أكل الحلال وتجنب الحرام. ثم شمل الكل بوعيده لما ذكرنا.
واعلموا أيها الناس أن هذا الذي تقدم ذكره في قصص الأنبياء سابقا هو دينكم وملتكم إذ كل الأنبياء أرسلت تدعو إلى الإيمان باللّه وحده. وعدم الإشراك به شيئا فاللّه يقول : اعلموا هذا، ولا تظنوا أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم أتى بجديد، والحال أنى أنا ربكم فاتقونى، ولا تخالفوا أمرى.
هكذا كانت الأمم، وبمثل هذا أرسلت الرسل، ولكن بعد ذلك افترقت الأمم فرقا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، وصار لكل جماعة كتاب ثم حرفوه وبدلوه، وآمنوا به وكفروا بما سواه.

_
(١) سورة البقرة الآية ١٧٢.


الصفحة التالية
Icon