ج ٢، ص : ٦٦٢
أجب عنى رسول اللّه قال أبو بكر مقالة المؤمن باللّه لا يرهقه ولده طغيانا وكفرا قال.
واللّه ما أدرى ما أقول، وقالت لأمها كذلك فأجابت بمثل جواب أبيها فقالت عائشة المؤمنة والواثقة في اللّه الذي يعلم السر وأخفى، وهو الحكم العادل : واللّه لقد علمت أنكم سمعتم ذلك القول حتى استقر في نفوسكم، ولئن قلت لكم إنى بريئة - واللّه يعلم أنى بريئة - لا تصدقوني، وإن اعترفت لكم بما يعلم اللّه أنى بريئة منه لتصدقننى، واللّه لا أجد لكم ولي مثلا إلا قول العبد الصالح أبى يوسف : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ واضطجعت في فراشها وقالت عائشة : وأنا أعلم أن اللّه سيبرئنى
. ولكن ما كنت أظن أن سينزل في شأنى وحيا يتلى.
ولقد نزل الوحى على رسول اللّه، وقلوب الناس تضطرب وبخاصة أبويها خوفا على عائشة ولكن عائشة واثقة من نفسها، ومطمئنة إلى ربها، نزل الوحى مبرئا عائشة مما رميت به وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم أبشرى يا عائشة، أما واللّه لقد برأك اللّه فقالت لأمها :
لا أقوم إليه
، ولا أحمد إلا اللّه الذي برأنى، ونزلت الآيات العشر إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ إلى آخر الآيات.
كان مسطح قريب أبى بكر، كانت أمه بنت خالة أبى بكر، وكان ينفق عليه لفقره، فلما وقع في حديث الإفك حلف ألا ينفق عليه فنزل قوله تعالى : وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى - إلى قوله : أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
المعنى :
إن الذين جاءوا بالإفك، واختلقوا هذا الكذب البعيد عن الصدق جماعة صغيرة منكم تآمرت عليه، واجتمعت حوله، وأخذت تذيع الأراجيف فيه، فلم يأت به جمهرة المسلمين وجماعتهم، على أنهم فيكم، ومعدودون منكم، وهذا كله يجعلكم تهونون من شأن الحادثة. ولا تثور نفوسكم عليهم ثورة جامحة. فالمرء عادة عرضة لأن يصاب من أقاربه وأهل بيته وفي هذا سلوى للنبي صلّى اللّه عليه وسلم وآل بيته الكرام.
لا تحسبوا هذا الحدث شرا لكم بل هو خير لكم، وأى خير ؟ !