ج ٢، ص : ٧٠٦
المعنى :
البركة للّه وحده، والحمد له، فقد تزايد خيره وتكاثرت نعمه وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها وقد تعالى وتزايد عن الكل ذاتا وصفة وفعلا، فالحمد للّه - تبارك وتعالى -، وكيف لا.. ؟ وهو الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والقرآن هو الفرقان، لأنه فرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، بل وفرق بين الحضارة التي تنعم الدنيا في ظلها، وبين الهمجية والجاهلية التي كانت ترزح تحت أثقالها، وانظر إلى وصف النبي الكريم بالعبودية حين يضفى القرآن عليه شيئا يرفعه ويجله لتوضع الأمور في نصبها، وليظل المسلم على نور الحق والصراط المستقيم فلا يرفع المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم عن موضع العبودية للّه كما فعلت النصارى مع المسيح، ألم تر إلى قوله تعالى : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا إلى قوله : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً على أن في وصف النبي بالعبودية تكريم له وتشريف ونزل اللّه على عبده القرآن فارقا بين الحق والباطل، ومفرقا في النزول، فكان ينزل منجما تبعا للحوادث، ليكون ذلك أدعى إلى حفظه والتثبت منه وفهمه وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا.
ليكون النبي أو القرآن للعالمين جميعا إنسه وجنه في كل زمان ومكان، نذيرا وسراجا منيرا يهدى به اللّه من يشاء من عباده.
تبارك الحق الذي نزل الفرقان، والذي له ملك السموات والأرض، وقد وصف اللّه - سبحانه وتعالى - نفسه بأنه نزل القرآن، وله ملك السموات والأرض، ولم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، فهذه أوصاف تدل على العظمة واستحقاق العبادة والتقديس.
(أ) له ملك السموات والأرض، وإذا كان كذلك فهل يعبد سواه ؟
(ب) ولم يتخذ ولدا إذ هو المالك للكل، والملكية تتنافى مع الولدية، فهو غير محتاج للولد في شيء، ولا يشبه أحدا من خلقه في شيء، فهو المستحق وحده للعبادة ولا يصح أن يكون غيره معبودا ووارثا للملك عنه. وفي هذا رد على من ادعى أن له ولدا من النصارى.


الصفحة التالية
Icon