ج ٢، ص : ٧١٢
المعنى :
اللّه الذي رفع السماء وبسط الأرض، وخلق الإنسان وصوره، هو صاحب الخير والبركات، تبارك خيره، وزادت نعمه، وهو إن شاء جعل لحبيبه المصطفى خيرا مما يطلبون من الكنز والجنة، وجعل له بدل الجنة جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار، ويجعل له القصور الشماء، إذ هو صاحب الأمر إذا قال للشيء كن فيكون وفي هذا رد عليه حث قالوا : أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها ولكنه اللّه - سبحانه وتعالى - أراد لنبيه عيشة الكفاف مع غنى النفس وقوة الإيمان، وكثرة الصبر. حتى لا يشتغل بدنياه عن دينه، وكيف لا يكون كذلك، واللّه يعده لتحمل أكبر رسالة في الوجود. وهذه الزعامة والرسالة تتنافى مع الدنيا وزخارفها الفانية.
وفي رواية سفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن خيثمة قال : قيل للنبي صلّى اللّه عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها، ولم يعط ذلك من قبلك ولا يعطاه أحد بعدك، وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا، وإن شئت جمعنا لك ذلك في الآخرة فقال النبي :« يجمع ذلك لي في الآخرة » فأنزل اللّه - عز وجل - هذه الآية.
وفي رواية. يا رضوان - حينما عرض عليه ذلك - « لا حاجة لي فيها، الفقر أحبّ إلىّ وأن أكون عبدا صابرا شكورا »
وعلى ذلك فيكون المعنى أن هذه الجنان والقصور تكون في الآخرة.
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ هذا إضراب عن شبههم، وبيان أن هذه التعللات ليست حقيقية فلو أجيبوا إلى ما طلبوا ما آمنوا أبدا، وإنما السبب هو أنهم كذبوا بالساعة، ولم يؤمنوا بالغيب والحياة الآخرة ومن كان كذلك لم يكن عنده استعداد للبحث والنظر والإيمان بالرسل، وهؤلاء قد أعد اللّه لهم جهنم سعيرا ذات نار مسعرة موقدة.
واللّه قد وصف السعير المعد لهم بصفات :
(أ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وهذا كقوله - تعالى - :
إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ وهذا وصف يفيد بوجه عام شدة النار ولهبها [سورة الملك الآيتان ٧ و٨].
(ب) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا، وهذا وصف لهم في