ج ٢، ص : ٧١٥
ولكن السبب في هذا يا رب، وأنت العالم بكل شيء، أنك متعتهم وآباءهم حتى أبطرتهم النعمة، وأضلهم الغرور حتى نسوا الذكر الذي أنزلته على رسلك، وكانوا قوما هلكى لا خير فيهم « وتلك مقالة الملائكة فيما يظهر » فها أنتم أولاء أيها الكفار.
ترون أنهم كذبوكم في دعواكم أنهم يقربونكم إلى اللّه زلفى، وأنهم آلهة، فحقا كذبوكم فيما تقولون عنهم، فما تستطيعون الآن أيها الكفار صرف العذاب عنكم بأى شكل، ولا تستطيعون نصرا بحال من الأحوال، وقرئ فما يستطيعون، أى : الآلهة المزعومون صرف العذاب، ولا يستطيعون نصركم أبدا.
ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا يتناسب مع ظلمه، والظلم هو الإشراك أو هو نوع منه إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فالظلم أمر عام يدخل فيه الشرك والكفر والفسوق.
وهذا رد عليهم في اعتراضهم على الرسول بأنه يأكل الطعام ويمشى في الأسواق، وما أرسل اللّه رسلا فيما مضى إلا رسلا يأكلون الطعام كالناس تماما، ويمشون في الأسواق جريا وراء العيش وتحصيله من طرق شريفة حيث لم يكن في هذا الوقت جهاد، فليس الفقر عيبا، وليس العمل ينقص من قيمة الشخص، وقد جعل اللّه بعض الناس فتنة لبعض فجعل المؤمن مع الكافر، والصحيح مع المريض، والغنى مع الفقير كل منهم فتنة لصاحبه فالغنى ممتحن بالفقير إذ تجب عليه المواساة، وعدم السخرية منه، والفقير ممتحن كذلك بالغنى فلا يحسده، ولا يسرق منه، وأن يصبر كل منهما على ما أراد اللّه له.
والرسول وأصحابه فتنة لأشراف القوم من الكفار في عصره، ولذلك نرى أن من يقود الكفار والخارجين على الرسل قديما وحديثهم أشراف القوم، ألم تر إلى قوله تعالى وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ وإرسال رسول من القوم ليس ذا جاه ومال ومادة كان سببا في كفر كثير من الناس، وكان فتنة لبعض القوم لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. ألم يجد اللّه غير يتيم بنى هاشم يرسله رسولا ؟ نعم وجعلنا بعضكم لبعض فتنة! أتصبرون ؟.
روى أنها نزلت في أبى جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل وغيرهم من أشراف قريش حين رأوا أبا ذر، وعبد اللّه بن مسعود، وعمارا، وبلالا،