ج ٢، ص : ٧٤٣
وهذا بدء لسورة الشعراء، وهي سورة مكية، افتتحت بأحرف هجائية فيها ما قلناه في أول سورة البقرة، وما خلاصته أن اللّه أعلم به ونحن نقف عند هذا الحد، وهو كالشفرة بين اللّه - جل جلاله - ورسوله الأعظم إذ هو مخاطب به فلا بد أن يعرف معناه، وقال البعض : لا بد أن نفهم له معنى وسرا، والظاهر أنه أتى به للتحدى بالقرآن الذي هو مكون من حروف المعجم العربية التي ينطق بها كل عربي، ومع هذا عجزوا عجزا ظاهرا.
وهكذا جاءت السورة بذلك الطابع حيث تكلمت عن القرآن الكريم وموقف المشركين منه، ثم تعرضت لقصص بعض الأنبياء - عليهم السلام -، ثم ختمت بالكلام على القرآن والنبي صلّى اللّه عليه وسلم.
المعنى :
هذه الآيات - الإشارة إلى آيات هذه السورة - آيات من الكتاب أى : القرآن الكريم المبين عن أغراضه ومقاصده وأحكامه وإعجازه، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ وهذه الإبانة في الواقع ونفس الأمر بقطع النظر عن عقيدة الكفار.
نعم أنزل عليك يا محمد كتاب أحكمت آياته، وفصلت من لدن حكيم خبير، فيه الهدى والنور لك ولأمتك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وإذا كان هذا القرآن كذلك، ولم يؤمنوا به، فليس لنقص فيه. ولكن اللّه أراد ذلك، وعلى هذا فلا تبالغ في الحزن والأسف على عدم إيمانهم لأنك إن بالغت فيه كنت كمن يقتل نفسه، ويبالغ في ذبحها، ثم لا ينتفع بذلك أبدا، فنحن مشفقون عليك أيها الرسول إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ.
واعلم أن اللّه على كل شيء قدير، وهو قادر على أن ينزل آية تلجئهم إلى الإيمان وتقسرهم عليه، وهم يذلون لها ويخضعون وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ « ١ ». وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً « ٢ » وكانت حكمته أن جعل الناس أحرارا، وجعل لهم اختيارا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وقد قامت الحجة على الناس بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم مبشرين ومنذرين، ولهذا أثابهم وعاقبهم.

_
(١) سورة يونس الآية ٩٩.
(٢) سورة هود الآية ١١٨.


الصفحة التالية
Icon