ج ٢، ص : ٧٥٢
يا فرعون : إنى رسول رب العالمين، ولما أنكر فرعون ذلك قال له موسى : أتنكر ولو جئتك بشيء مبين من المعجزات والآيات الدالة على صدقى ؟ !! فقال له فرعون. إن كنت من الصادقين فائت بآية تشهد لك، فألقى موسى عصاه من يده، فإذا هي ثعبان ظاهر، لا شك فيه، يتحرك ويسعى، ووضع يده في جيب قميصه ثم نزعها فإذا هي بيضاء للناظرين.
ولما رأى فرعون وقومه تلك الآيتين الحسيتين اللتين تشهدان لموسى بالصدق قالوا هذا سحر مبين، وهذا ساحر ماهر يموه علينا، ويقلب الحقائق، فهو كبقية السحرة، وليس رسولا لرب العالمين كما يدعى، هذا الذي يريد أن يخرجكم من أرضكم ويتغلب عليكم بسحره، ويأخذ بنى إسرائيل من تحت أيديكم... وتشاوروا فيما بينهم : ماذا يفعلون ؟ قال بعضهم لفرعون : الرأى أننا نرجئ أمر موسى وأخيه إلى موعد نضربه معهما، ونجمع السحرة المهرة من كل مكان في الدولة، وهؤلاء السحرة ستأتى في مشهد من الناس بأفعال كفعله وأقوى، فتكون النتيجة أنه كباقي السحرة في المدينة، وليس له فضل، ولا حق فيما يدعيه، وكان هذا هو الرأى...
أرسل فرعون في المدائن حاشرين يجمعون له السحرة من كل حدب وصوب، وكان السحرة في القديم هم الطبقة المثقفة، ولهم مكانتهم عند الملوك والجبابرة وجاءوا مدلين واثقين من أنفسهم وتغلبهم على موسى، وطالبوا بأجرهم فقال فرعون. نعم لكم ما تطلبون، وإنكم إذ تغلبون لمن المقربين.
فلما اجتمع القوم، التقى السحرة بموسى قال لهم : ألقوا ما أنتم ملقون به، من العصى والحبال، وذلك بعد ما عرضوا على موسى أن يلقى هو أولا... فألقوا حبالهم وعصيهم، فامتلأ المكان حيات وثعابين، وخيل إلى الكل حتى موسى أنها تسعى وقالوا إنا بعزة فرعون لغالبون.
في تلك اللحظة ابتهج فرعون وقومه، وأيقنوا أن السحرة غلبوا، وأن موسى لن يستطيع أن يغلبهم في شيء إذ معه عصاه، وستكون حية واحدة بين آلاف الحيات.
وعند ذلك أوجس موسى في نفسه خيفة، فأمره اللّه أن يلقى عصاه فإذا هي حية تسعى، وإذا هي تبلع حيات السحرة وتتلقفها بسرعة فائقة!! الآن ظهر الحق، وبطل ما كانوا يعملون، ودهش آل فرعون والملأ من قومه، وعلم السحرة أن السحر لا