ج ٢، ص : ٧٥٤
الحق، واتبع الحق، وآمن بالحق، وصدق برسول الحق، ولقد صدق اللّه حيث يقول وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ [سورة الأعراف آية ١٢٦].
فصبرا ثم صبرا لكل من عذب في سبيل اللّه والدعوة لدين اللّه، فعسى أن يكون هذا تطهيرا لنفوسنا وإصلاحا لقلوبنا أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [سورة العنكبوت آية ٢].
انطلاق بنى إسرائيل وخروجهم من مصر وغرق فرعون : أوحى اللّه إلى موسى بعد هذا كله : أن أسر بعبادي، واخرج بهم ليلا، ففعل موسى، وقد أخبره اللّه أن فرعون سيتبعه، وكان كذلك فلما علم فرعون بخروجهم أرسل في المدائن من يجمع له الجند الكثيف والجيش الكثير ليردهم إلى العبودية، وقال : إن هؤلاء، أى : بنى إسرائيل جماعة قليلة إذا قيست بالمصريين، وإنهم لنا لغائظون، حيث سفهوا أحلامنا، وجاءوا لنا بدين لم نألفه، وشرع لم نعرفه، إنا لجمع حاشد، ومعنا جيش منظم مستعد كامل العدد والعدد، قد اتخذ أهبته وحمل سلاحه.
فلحقوهم عند شروق الشمس صباحا على خليج السويس، فلما رأى بنو إسرائيل فرعون وجنده أيقنوا بالهلاك، ولكن موسى النبي الملهم سكن روعهم، وهدأ نفوسهم وبشرهم بالنصر العاجل، والهلاك الماحق لفرعون ومن حوله فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فأوحى اللّه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق، ولما انفلق البحر صار فيه اثنا عشر طريقا على عدد أسباط بنى إسرائيل، ووقف الماء بينهم كالطود العظيم، فصار لموسى وأصحابه طريقا في البحر يبسا.
وأما فرعون وقومه فتبعوا بنى إسرائيل، وصاروا خلفهم حتى إذا ما توسطوا الماء وقد نجا بنو إسرائيل، وجاوزوا البحر، انطبق البحر على فرعون وجنوده وعاد كما كان أولا، ولم يفلت منهم أحد، وهذا معنى قوله تعالى. وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ [سورة الشعراء الآيتان ٦٤ و٦٥].
وهكذا نجى اللّه المؤمنين، وأهلك الظالمين الكافرين، وأخرجهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كريم، هكذا أورثناها بنى إسرائيل حقبة من الزمن.