ج ٢، ص : ٧٥٧
المعنى :
واتل يا محمد على كفار مكة وعلى غيرهم نبأ إبراهيم، وخبره المهم ليعرف المشركون خصوصا أهل مكة ما كان عليه أبوهم إبراهيم، وكيف كانت مواقفه مع قومه وبخاصة أبيه، وفي ذلك عبرة لأولى الألباب.
واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ؟ سألهم عن عبادتهم وهو بها أعرف ليلفت نظرهم إلى ما يعبدون.. قالوا : يا إبراهيم : نعبد أصناما فنظل لها عاكفين، وعلى عبادتها مقيمين.. قال إبراهيم مناقشا لهم : عجبا لكم! هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون ؟ وهل ينفعونكم في شيء أو يضرون ؟.. قالوا مجيبين له على سؤاله واعتراضه : بل وجدنا آباءنا لها عابدين يا عجبا ؟ يلفت إبراهيم نظرهم إلى هذه الأصنام التي لا تسمع دعاء، ولا يكون منها نفع ولا ضرر مقصود، يعنى ليس لهم حجة أبدا في عبادتها وتقديسها، وهم لا يرون لهم حجة أبدا إلا التقليد الأعمى فيقولون حجتنا : أنا وجدنا آباءنا لها عابدين، وإنا على آثارهم مقتدون. قال إبراهيم : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون ؟ والمعنى أخبرونى عن حال ما كنتم تعبدون.
هل هم يستحقون العبادة أم لا ؟ وهذا استهزاء منه بعبدة الأصنام، أخبرونى عن حالهم إن كانت لهم قوة حتى أحتاط لنفسي لأنهم أعداء لي.
لكن رب العالمين ليس كذلك بل هو وليي في الدنيا والآخرة، وهو الذي خلقني، فهو يهديني إلى خيرى الدنيا والآخرة، ولقد صدق اللّه إذ يقول سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى [سورة الأعلى الآيات ١ - ٣].
وهو الذي يطعمنى ويسقيني أليس هو ربي وربكم الذي خلق ما في الكون وسخره - للإنسان، يأكل منه ويشرب، ويلبس ويتمتع رزقا للعبادا. ومتاعا لكم ولأنعامكم ؟
وإذا مرضت فهو ربي الذي يشفيني إن كان في العمر بقية، وانظر إلى أدب النبوة العالي حيث نسب المرض إلى نفسه والشفاء للّه مع أن الكل منه وإليه، وهذا لا يمنع من اتخاذ الأسباب والعمل بها. كالمتوكل على اللّه بعد الأخذ بها.
والذي يميتني إذا انقضى أجلى، ثم يحييني للحساب والثواب، والموت وما بعده من حياة نعم من نعم اللّه على عبده.


الصفحة التالية
Icon