ج ٢، ص : ٧٦٤
بذلك سلطانا ولا جاها إن أجرى إلا على ربي لو كنتم تعلمون، ولكنهم كذبوه إذ قال لهم هذا، ورموه بالسفاهة، والجنون.
وقال لهم هود : يا قوم أتبنون بكل مرتفع من الأرض أو بكل طريق بناء كالعلامة التي يهتدى بها حالة كونكم تعبثون ؟ وتلعبون بهذا البناء، ولم تنتفعوا به فيما ينفعكم، وقيل أنتم في هذا البناء تسخرون، وتهزءون بغيركم حينما يمرون عليكم ؟ وتتخذون مصانع تجمعون فيها الماء كالأحواض والبرك والسدود، أو تتخذون مصانع من المدائن والقصور الشامخات، والتاريخ يحدثنا بأنهم كانوا أصحاب سدود وأحواض لجمع المياه، وأصحاب قصور شامخات لعلكم بذلك كله تخلدون، والمراد فعلتم هذا راجين الخلود في الدنيا منكرين البعث وإذا بطشتم بأحد بطشتم جبارين، وقد كانت تلك القبيلة ذات بأس وقوة وشدة، وقد زادهم اللّه بسطة في الجسم والخلق، وبوأهم أرضا تدر عليهم من الخير الكثير، لهذا كانوا إذا سطوا أو حاربوا بطشوا بعنف وشدة.
وقد وصفهم اللّه بصفات ثلاثة كلها تدل على أنهم يريدون علوا في الأرض واستكبارا، فهم يبنون بكل ريع بناء ضخما حالة كونهم به يستهزئون ويعبثون، وهم قد اتخذوا المصانع والمنازل كأنهم مخلدون، وإذا بطشوا بالغير بطشوا جبارين، وهذه صفات تتنافى مع الإيمان والتصديق بالرسل الكرام، لذا تجدهم كذبوا هودا وتحدوه يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.
مع أن هودا كان يدعوهم بالحسنى ويذكرهم بالنعمى، لعلهم يثوبون ويرجعون فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ واتقوا يا قوم الذي خلقكم وأمدكم بما تعلمون من النعم، أمدكم بأنعام منها تأكلون، وعليها تحملون، ومن أوبارها وأشعارها تلبسون، وأمدكم ببنين أولى بأس وقوة، وأمدكم بجنات وعيون، وهل بعد هذا نعمة ؟ أعطاهم أنعاما ورجالا، وجنات وأنهارا أفليس هذا مما يدعو إلى الشكر وامتثال الأمر، ولذا قال هود لهم : يا قوم. إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم في الدنيا والآخرة.
ولكنهم قوم مغرورون، لم يستجيبوا لنبيهم بل قالوا له : يستوي عندنا وعظك لنا وتحذيرك إيانا وعدم وعظك أصلا، فإنا لا نرعوى لوعظك، ولا نسمع لكلامك والسبب في هذا. أن الذي خوفتنا به ما هو إلا خلق الأولين وافتراؤهم وكذبهم، وعلى قراءة (خلق) يكون المعنى إن هذا الذي نحن عليه من بناء الصروح والقوة في


الصفحة التالية
Icon