ج ٢، ص : ٧٨٢
هو هدى وهداية، وبشرى وبشارة، ولكن المنتفع بذلك حقّا هم المؤمنون، وإن كان القرآن نزل هداية للناس جميعا شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ « ١ » هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة، ويؤدونها كاملة تامة الأركان والشروط مقومة أحسن تقويم، وهذه هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي تصل العبد بربه، والتي هي علاج روحي للعبد إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ « ٢ » وهم الذين يؤتون الزكاة التي هي علاج للمؤمنين كجماعة من الجماعات فوق أنها علاج للفرد كذلك، وهم بالآخرة وما فيها هم يوقنون، ويؤمنون بها إيمانا يقينيا صادرا عن علم وبحث واقتناع هؤلاء الموصوفون بتلك الصفات التي تعتبر رموزا لجميع أحكام الدين هم الذين ينتفعون انتفاعا حقيقيا بالقرآن ونوره، وهذا لا يمنع أن العالم كله قد انتفع بنوره.
أما الذين لم يهتدوا بنور الحق، وهدى القرآن فهم الذين لا يؤمنون بالآخرة، وهؤلاء زين اللّه لهم أعمالهم، وحسن لهم أعمال الخير ولكنهم لم يعملوها بل ساروا على الطريق المعوج الذي يسير عليه المغضوب عليهم والضالون، نعم زين اللّه أعمال الخير بإرسال الرسل وإنزاله الكتب تبين الحلال والحرام، وتبشر العاملين، وتنذر العصاة والمقصرين، وقيل : إن المعنى. اللّه زين لهم عملهم القبيح حيث أودع فيهم الشهوة والميل إلى الشر، ومكن الشيطان من إغوائهم حتى رأوا الحسن قبيحا، والقبيح حسنا في نظرهم، فوقعوا في الهلاك والآثام، وهم يعمهون، ويتحيرون، وفي الضلال يتيهون، أولئك الذين لهم العذاب السيئ الشديد في الدنيا والآخرة، وهم في الآخرة هم الأخسرون أعمالا، والتفضيل بالنسبة للزمان والمكان، فالمفضل عليه هو أنفسهم لكن باعتبار حالهم في الدنيا أى إن خسرانهم في الآخرة أشد من خسرانهم في الدنيا.
وإنك يا رسول اللّه لتلقى القرآن، وينزل عليك من لدن حكيم عليم خبير بصير.
يفعل ما تقتضيه الحكمة والعلم الصحيح.
وهذه الآية بساط وتمهيد لما سيذكر بعدها من الأخبار والقصص، وهي دعوى تفيد أن القرآن من عند اللّه، والدليل على صحة ذلك ما سيذكر من أخبار الماضين وأحوالهم.

_
(١) سورة البقرة الآية ١٨٥.
(٢) سورة المعارج الآيات ١٩ - ٢٢.


الصفحة التالية
Icon