ج ٢، ص : ٧٨٤
وهذا العنصر من قصة موسى - عليه السلام -، وهو وجوده بالوادي المقدس طوى، قد ذكر في عدة مواضع من القرآن كما ذكرنا ذلك في سورة الشعراء، مع اختلاف يتناسب وأسلوب القصة التي ذكر فيها.
المعنى :
اذكر وقت قول موسى لأهله، والمراد زوجه بنت شعيب في مسيرة من مدين إلى مصر بعد قضاء الأجل المضروب بينه وبين شعيب، وكان إذ ذاك في الوادي المقدس طوى، وكانت ليلته باردة عاصفة مظلمة يحتاج المسافر فيها إلى نار، ولما ضل الطريق أراد نارا يستدفئ بها هو وأهله حتى الصباح فأورى زنده فلم يخرج نارا، فالتفت يبحث فوجد نارا على بعد، فقال لأهله : امكثوا في مكانكم لا تبرحوه، إنى آنست نارا سآتيكم منها بشعلة مقبوسة رجاء أن تصطلوا بها وتستدفئوا، فلما جاءها نودي من قبل الرب - سبحانه وتعالى - أن بورك من في قرب النار، ومن هو حولها، والنار نور، ولكن موسى ظنها نارا، وقد نزه اللّه نفسه فقال : وسبحان اللّه رب العالمين، وتنزيها له عن مشابهة أحد من خلقه، يا موسى إنه الحال والشأن أنا اللّه العزيز الحكيم، يا موسى : ألق عصاك فألقاها من يده فصارت حية فلما رآها تهتز وتتحرك كما يتحرك الجان، وهي الحية البيضاء شبهها بالجان لخفة حركتها. وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها، فلما رآها كالجان، ولى مدبرا وخائفا، ولم يعقب على شيء، ولم يلتفت فلما وقع منه ذلك قال اللّه له : يا موسى لا تخف من الحية وضررها، إنى لا يخاف لدىّ المرسلون، فلا تخف أنت لكن من ظلم نفسه ثم تاب وآمن، وبدل حسنا بعد سوء فإنى غفور رحيم. يا موسى : أدخل يدك في جيب قميصك تخرج يدك بيضاء من غير برص فذانك برهانان من ربك إليك لتعلم أنك بأعيننا، واللّه معك يرعاك ويحيطك بعنايته.
يا موسى اذهب إلى فرعون وقومه في تسع آيات إنهم كانوا قوما فاسقين. أما الآيات فهي العصا. واليد. والطوفان. والجراد. والقمل. والضفادع. والدم. والسنون ونقص الثمرات.. وبعضهم عدها بشكل آخر.
فلما جاءتهم آياتنا التسع مبصرة واضحة جلية شاهدة على صدق موسى كأنها لفرط وضوحها تبصر نفسها. قالوا : هذا سحر مبين ظاهر لا يحتاج لبرهان، وجحدوا بها،


الصفحة التالية
Icon