ج ٢، ص : ٧٨٦
بالصفوف يزع من تقدم منهم، الوزع الكف والمنع لا يَحْطِمَنَّكُمْ لا يكسرنكم.
وهذا جزء من قصة داوود وسليمان ابنه - عليهما الصلاة والسلام -.
المعنى :
ولقد آتينا داوود نبي اللّه وسليمان ابنه - عليهما الصلاة والسلام - آتاهما ربهما علما من لدنه، علما شريفا يتعلق بذاته تعالى، وبوصفه بصفات الجلال والكمال، وتنزهه عن كل نقص وما هو في حقه من المحال، علما هو أشرف العلوم والمعارف، علما جامعا لخيرى الدنيا والآخرة، ولقد آتيناهما علما فعملا به حتى امتلأ قلبهما يقينا وعزما أكيدا على فعل الطاعات، وهجر المحرمات، والشكر للّه - سبحانه - حتى قالا : الحمد للّه وحده، الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين، بهذه العلوم والمعارف المصحوبة بالعمل القلبي والبدني واللساني، وفي هذا رفع لمرتبة العلم والعلماء. إذ قد أوتيا من الملك ما لم يؤت غيرهما فلم يكن شكرهما على الملك كشكرهما على العلم.
وكان لداود أولاد كثيرة، ولكن سليمان ورث أباه في العلم والنبوة والملك والحكم لا في المال لأن الأنبياء لا تورث فيه
« نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة »
حديث شريف، ومما يؤيد هذا ما سيأتى من معرفة منطق الطير، والإتيان من كل شيء، وذكر جنود سليمان من الجن والإنس والطير.
وقال سليمان تحدثا بنعمة اللّه، وإشهارا لها، وتنويها بها، ودعاء للناس ليصدقوا بها على أنها معجزة. قال سليمان : أيها الناس : قد علمنا منطق الطير والحيوان. وإنما خص الطير لأنه من جنوده التي كان لها مواقف بارزة في حياته كما سيأتى في قصة الهدهد.
وللطير منطق إذ هو يصوت بأصوات مختلفة تدل دلالة قوية على أحاسيسه وحاجاته فصهيل الفرس عند طلبها الأكل غير صهيلها عند طلبها الحصان للفساد، وصوتها عند الألم والضرب غير صوتها وهي تدعو رضيعها ليرضعها، وهكذا كل حيوان، فمواء القطة عند حبسها في مكان ضيق غير موائها عند طلبها الأكل أو السفاد مثلا - هذه حقائق معترف بها وكما قال الشيخ البيضاوي في تفسيره ما معناه، ولعل سليمان كان إذا صوت حيوان علم بقوته الحدسية التخيلية صوته والغرض الذي توخاه به، ومن