ج ٢، ص : ٧٩١
الطير فلم يجد الهدهد، فقال : مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، تعجب سليمان من حال نفسه حيث لم ير الهدهد، ولم يأذن له ثم أضرب ثانية وقال : بل أهو من الغائبين! عد سليمان غيابه بلا إذن جريمة اقترفها، وهدده بالذبح أو التعذيب بنتف ريشه إلا إذا أتاه بعذر بين، وحجة قوية تبرر هذا التخلف.
ولم يمض غير زمن قليل حتى جاء الهدهد فسأله عن غيبته فأخبره بأنه أحاط بأمر لم يحط سليمان به، وجاء بنبإ مهم من بلاد سبإ التي هي من بلاد اليمن، وأخبره بملك عظيم وجاه عريض تملكه امرأة اسمها بلقيس، وهي الملكة على تلك الديار، وهذه المرأة أوتيت من كل شيء يتعلق بأسباب الملك واستتباب النظام، ولها عرش عظيم، محلى بالجواهر وأفخر الزينات. وهذه الملكة وقومها يعبدون الشمس من دون اللّه، ويرتكبون المعاصي، وقد زين لهم الشيطان أعمالهم السيئة حتى حسبوها خيرة، فصدهم عن سبيل اللّه فهم لا يهتدون، فعل الشيطان بهم هذا لئلا يسجدوا للّه الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، وينزل المطر من السماء، وهو مخبوء فيها، وينبت من الأرض، وقد كان مستورا فيها، وهو العالم بما تخفون أيها الناس، وما تظهرون، إنه عليم بذات الصدور، هو اللّه لا إله إلا هو رب العرش العظيم حقا، وصاحب التصريف المطلق، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولكنه الشيطان يزين للناس، ويغويهم حتى ينحرفوا عن الطريق الصواب إلى طريق المغضوب عليهم أو الضالين.
وفي قراءة : ألا يا اسجدوا، والمعنى : ألا يا قوم اسجدوا للّه الذي يخرج الخبء الآية.
قال سليمان حينما سمع مقالة الهدهد : سننظر في أمرك بعين الرؤية لنعلم أصدقت في مقالتك أم كنت من الكاذبين ؟ ! يا هدهد : اذهب بكتابي هذا إلى تلك الملكة فألقه إليهم، ثم أعرض عنهم قليلا، فانظر بعد هذا ماذا يرجعون من القول، ويرددون، وانظر أى رأى يختارون ؟
فامتثل الهدهد أمر قائدة ورئيسه، وحمل الخطاب، وأوصله إلى بلقيس فقرأته، وعلمت ما فيه، وجمعت الملأ من قومها، وأشراف مملكتها للتشاور في هذا الحدث، فقالت : يا أيها الملأ : إنى ألقى إلى كتاب كريم لأن مرسله كذلك، ولأنه مختوم، وكريم في عباراته، إنه من سليمان، وقد كتب فيه :