ج ٢، ص : ٨٣٢
هذا فرعون يدعى أنه إله، وأن موسى كاذب في أن للكون إلها، ثم بعد لحظة يأمر وزيره أن يوقد النار، ويخرج الآجر ليبنى له صرحا، وبناء فخما يصعد به إلى السماء لعله يصعد إلى إله موسى ليصفى حسابه معه، ثم يختم آثامه وأقواله التي تدل على الارتباك والتخبط بأنه يشك في صدق موسى، ولكن احتياطا فعل هذا وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ.
[غافر ٣٧] كل هذا يحصل، ولم يجد فرعون من قومه وملئه من يقول الحق، أو يهدى إلى الخير أو يمنع الظلم بل كانوا يؤمنون على قوله، وينفذون رغبته، وكان عاقبة أمره وأمرهم خسرا.
استكبر فرعون في الأرض، وطغى وتجبر، وعلا علوّا كبيرا هو وجنوده، كان من أثره ركوب ذلك الشطط، وفعل تلك الخبائث، وكان مبعث ذلك كله أنهم ظنوا بل تيقنوا أنهم إلى اللّه لا يرجعون.
وانظر إلى الحق - جل جلاله -، وهو يسجل عليهم نهايتهم بعبارة فخمة ضخمة فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ « ١ » نعم كانوا في قبضة اللّه الذي يقول للشيء كن فيكون كحصيات يجمعها الشخص في الطريق ثم يلقيها في البحر، فانظر أيها الناظر إلى الدنيا بعقلك، المتفكر فيها بقلبك كيف كان عاقبة الظالمين ؟ !! وصيرناهم أئمة ورؤساء يدعون إلى النار، فيطاعون، وكأنهم بإصرارهم على الكفر وتماديهم في الباطل يدعون أتباعهم إلى النار لأنهم يأتمرون بهم ويقتدون، ويوم القيامة لا ينصرون أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ « ٢ » وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة وطردا، وبعدا عن رحمة اللّه، ويوم القيامة هم من المقبوحين المطرودين الممقوتين وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ [سورة هود آية ٩٩].
ولقد آتينا موسى التوراة التي هي نور البصائر، وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون،
روى أبو سعيد الخدري قال : قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم « ما أهلك اللّه قوما ولا قرنا ولا أمّة ولا أهل قرية بعذاب من السّماء ولا من الأرض منذ أنزل اللّه التّوراة على موسى غير القرية الّتى مسخت قردة »
ألم تر إلى قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى « ٣ » ولعل إيتاء التوراة بعد إهلاك الأمم الماضية للإشعار بمسيس الحاجة الداعية إليها، فإن إهلاك القرون الأولى دليل على اندراس معالم شرائعها،

_
(١) سورة القصص الآية ٤٠.
(٢) سورة محمد الآية ١٣.
(٣) سورة القصص الآية ٤٣.


الصفحة التالية
Icon