ج ٢، ص : ٨٣٥
فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ
[سورة المائدة آية ٢٢].
وما كنت مقيما في أهل مدين مع شعيب تتلو عليهم آياتنا حتى تقص خبرهم أحسن القصص على أهل مكة، ولكنا (أى : اللّه جل جلاله) كنا مرسلين لك، وموحين إليك بأخبارهم حجة قوية على صدقك.
وما كنت بجانب الطور إذ نادينا موسى وقلنا له : خذ الكتاب أى : التوراة بقوة وما كنت معه حتى تشاهد ما حصل له ثم تخبر الناس به، ولكن أرسلناك رحمة من ربك للعالمين، ولتنذر قوما هم العرب، ما أتاهم من نذير قبلك، رجاء أن يتذكروا ويؤمنوا باللّه العزيز الحميد، والعرب على الصحيح لم يأت لهم نذير بعد إسماعيل - عليه السلام - بناء على أن موسى وعيسى كانت رسالتهما لبنى إسرائيل فقط، ومن هنا ندرك الحاجة القصوى لإرساله صلّى اللّه عليه وسلّم للعرب ولو لا أن الناس وبخاصة العرب يقولون : هلا أرسلت إلينا يا رب رسولا من عندك يبشرنا وينذرنا، ويهدينا بالكتاب الذي معه إلى الصراط المستقيم، فنتبع آياتك ونؤمن برسلك، ونكون من عبادك المؤمنين الصادقين غير المغضوب عليهم ولا الضالين.. لو لا قولهم هذا عند إصابة العقوبة لهم بسبب ما جنته أيديهم ما أرسلناك للناس رسولا، ولكن لما كان قولهم هذا محققا لا محيد عنه أرسلناك قطعا لأعذارهم بالكلية رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [سورة النساء آية ١٦٥]. أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ.. [سورة الأنعام الآيتان ١٥٦، ١٥٧].
وهذا من أسباب إرسال الرسل، وبيان للحاجة الداعية إليهم.
فلما جاء أهل مكة الحق من عندنا، والنور الذي أنزل على رسولنا، قالوا : لو لا أوتى مثل ما أوتى موسى من قبل كالعصا واليد وغير ذلك من الآيات التي أنزلت معجزة لموسى... عجبا لهؤلاء المشركين! أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل ولم يؤمنوا به، وقيل المعنى : فلما جاء أهل الكتاب الحق والقول الصدق على يد محمد، وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وقالوا لو لا أوتى