ج ٢، ص : ٨٥٧
حصل لقوم نشروا بالمناشير في دين اللّه فلم يرجعوا عنه أبدا وروى البخاري عن خباب ابن الأرت : قال شكونا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟.
فقال :« قد كان من قبلكم يؤخذ الرّجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه فما يصرفه ذلك عن دين اللّه. واللّه ليتمّنّ هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضر موت، لا يخاف إلّا اللّه والذّئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون ».
فليعلن اللّه الذين صدقوا أى : فليظهرن اللّه الذين صدقوا، وليظهرن الكاذبين، إذ علمه بهم حاصل قبل الاختبار وبعده.
بل أحسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا فلا ندركهم ؟ أظنوا أنهم يفوتوننا فلا ننتقم منهم. لا. بل إن ربك لبالمرصاد، وسيجازيهم على أعمالهم جزاء وفاقا.
ألا ساء حكمهم وتقديرهم إن فهموا أنهم يسبقوننا.
من كان يرجو لقاء اللّه ويؤمل ثوابه، ويخاف عقابه فليستعد لذلك اليوم استعدادا كاملا، وليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، فإن أجل اللّه لآت له، وإن وقته المضروب للقائه آت بلا شك، فمن الخير له الاستعداد لذلك اللقاء بالعمل الصالح، واللّه هو السميع لكل قول، العليم بكل فعل.
وقد مضت حقائق ثلاثة : هي اختبار المؤمن بالفتن، وعقاب العاصي على العمل، وجزاء المحسن الذي يرجو لقاء ربه آت بلا شك ولا جدل، وربك الغنى عن عباده الطائعين، ولا يضره عصيان العاصين، ومن جاهد نفسه وهواه، واتبع طريق الحق والعدل والكرامة فإنما يجاهد لنفسه لا لغيره مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها « ١ » إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها « ٢ ».
والذين آمنوا وعملوا الصالحات من الأعمال لنكفرن عنهم سيئاتهم التي قد يلمون بها. فالإنسان لا بد أن يرتكب بعض السوء وإن لم يشعر به خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ « ٣ ».
(١) سورة فصلت الآية ٤٦.
(٢) سورة الإسراء الآية ٧.
(٣) سورة التوبة الآية ١٠٢.