ج ٢، ص : ٨٦٠
يصح أن يكون إلها، ولا يستقيم بحال، فلا تطعهما في ذلك أبدا مع الإحسان إليهما ومداراتهما وترضيهما كما أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سعدا أن يفعل مع أمه « وقد ثبت ذلك في بعض الروايات ».
وصى اللّه الإنسان بوالديه وأمره بالإحسان إليهما، ثم نبهه إلى عدم طاعتهما، إذا أراداه على الشرك، إذ كل حق وإن عظم ساقط إذا جاء حق اللّه، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثم قال : إلىّ مرجعكم، نعم إلى اللّه وحده ترجع الأمور وسيجازى كلا على ما عمل فلا يحدثن أحد من الناس نفسه بجفوة والديه إذا أشركا، ولا يحرمهما من بره وعطفه في الدنيا إذا عصيا، وإياه ومتابعتهما على الشرك بل اثبت في دينك، واستقم كما أمرت فاللّه معك، وسيجازيك على هذا كله، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات، وصبروا على المكروه والأذى في سبيل اللّه فأولئك يدخلون الجنة مع الصالحين والأنبياء والمرسلين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
يا أخى لا تظن أن مرتبة الصلاح هينة فلله در الإمام الشافعى حيث يقول :« أحبّ الصّالحين ولست منهم ». وهذا النبي سليمان بن داود يدعو ربه أن يدخله مع الصالحين وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ « ١ ». وفي إبراهيم يقول اللّه وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ « ٢ ».
هذا هو حال المؤمنين الذين فتنوا واختبروا في دينهم كبلال وصهيب وآل ياسر كلهم : وهذا سعد بن أبى وقاص يبتلى بأمه وكانت أحب الناس إليه، وهذا حال من فتن من صناديد قريش وزعماء الكفار.
ولكن أليس في المجتمع المسلم منافقون ضعاف الإيمان إذا فتنوا رجعوا عن دين اللّه ؟.
نعم فيه ذلك، إذ لا يخلو منهم زمان ولا مكان، والمحن هي محك الاختبار، وفيها الامتحان ليميز اللّه الخبيث من الطيب.
وها هم أولاء يقولون آمنا باللّه فإذا أوذوا في سبيل اللّه، وافتتنوا في دينهم، ومحصوا بالابتلاء الواقع، وانكشفت الستائر، وجعلوا فتنة الناس تمنع من الثبات في دينه كما يمنع عذاب اللّه من الكفار، وإذا نصر اللّه المسلمين ليقولن : إنا كنا معكم، وكنا ثابتين على دينكم فأعطونا من الغنائم! أو ليس اللّه بأعلم بما في الصدور ؟ ! وهو يعلم السر
(١) سورة النمل الآية ١٩. [.....]
(٢) سورة البقرة الآية ١٣٠.