ج ٢، ص : ٨٦٦
الخلق الأول من اللّه - وهذا معلوم بالضرورة - كان ذلك في مقام الرؤية، والمقصود الاستدلال - بما علموه علما أصبح كالرؤية أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ من أحوال بدء الخلق - على إثبات المعاد، فإن من قدر على البدء يقدر بلا شك على الإعادة بل هي أهون عليه في نظرنا، إن ذلك المذكور من بدء الخلق وإعادته على اللّه يسير، فكيف ينكرون الإعادة ويؤمنون بالبدء ؟ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ على معنى قال اللّه لي : قل - يا إبراهيم أو يا محمد - لهم سيروا أيها المنكرون للبعث في الأرض لتشاهدوا مظاهر قدرة اللّه وآياته الدالة على أنه هو الخالق وحده لهذا الكون.
وهو المنفرد ببدء الخلق، ومن قدر على ذلك فهو القادر وحده على أن ينشئ النشأة الأخرى يوم القيامة إن اللّه على كل شيء قدير، وفي النشأة الأخرى يعذب من يشاء ممن يستحق العذاب من الكفار والعصاة، ويرحم من يشاء من عباده فضلا منه ورحمة.
وما أنتم يا بنى آدم بمعجزين اللّه في الأرض ولا في السماء، وليس في وسعكم الهرب من قضاء اللّه في جهة السفل أو جهة العلو، وما لكم من غير اللّه ولى ولا نصير ينصركم من عذابه.
والذين كفروا بآيات اللّه، ولقائه أولئك يئسوا من رحمة اللّه، إنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون، أولئك لهم عذاب مؤلم موجع، أما المؤمنون باللّه ولقائه فأولئك يرجون رحمته، إن رحمة اللّه قريب من المحسنين ولنرجع إلى إبراهيم ماذا حصل له ؟.
لما أمرهم بعبادة اللّه - تعالى -، وبين خطأهم في عبادة الأوثان، وظهرت حجته عليهم فما كان جواب قومه على قوله لهم : اعبدوا اللّه واتقوه، واتركوا عبادة الأوثان، وما أنا إلا نذير وبشير، وعلى البلاغ فقط، واعلموا أن هناك يوما للحساب والعقاب ومن خلق الخلق أولا قادر على الإعادة ثانيا.
فما كان جواب قومه على ذلك إلا أن قال كبارهم ورؤساؤهم : اقتلوه، أو حرقوه بالنار، يا عجبا لهم!! يدعوهم إلى الخير، ويبصرهم بالطريق الحق فيكون المآل القتل أو الإحراق.
ولكن أيتركه ربه الذي أرسله للخلق ووعده بالعصمة والحفظ ؟ كلا كلا : فقد أنجاه اللّه من النار حين قذفوه فيها، وقال اللّه لها : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم


الصفحة التالية
Icon