ج ٢، ص : ٨٧٣
لما بين هذا ضرب لهم مثلا في اتخاذهم معبوداتهم آلهة باتخاذ العنكبوت بيتا لم يقها من شر عاد عليها.
المعنى :
مثل هؤلاء الذين اتخذوا من دون اللّه أولياء والحال أنهم لم ينتفعوا منها بشيء أبدا مع أنهم اتخذوها راجين النفع والشفاعة منها كمثل العنكبوت اتخذت بيتا من نسيجها، وإن أوهن البيوت لبيوت العنكبوت.
ولعل السر في جعل المثل دائرا حول اتخاذ العنكبوت بيتا ولم يقل نسيجا، أن البيت يكون للظل والوقاية من حر الشمس وزمهرير البرد، ومنع العدوان إلى غير ذلك من المنافع، ولكن بيت العنكبوت لا يفيد شيئا ولا يقي خطرا. فكذلك معبوداتهم لا تنفع شيئا، ولا تدفع ضررا، على أن نسيج العنكبوت من حيث كونه بيتا لا يفيد فكذلك الأصنام من حيث كونها آلهة لا تنفع ولا تضر، حقا. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون!.
ولعل السر في اختيار لفظ الأولياء بدل الآلهة إبطال الشرك الخفى، وهو العبادة للرياء والسمعة فإن من يفعل ذلك يصدق عليه أنه اتخذ من دون اللّه وليا...
وانظر إلى قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ ءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ بعد التمثيل...! على معنى إن اللّه يعلم أنهم لا يدعون من دونه شيئا له وجود، وهو العزيز الحكيم فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم العليم الخبير، ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلا.
وتلك الأمثال الرائعة التي هي من عيون الكلام لعمق أثرها في النفس، وقوة فعلها في العقل نضربها للناس لا للبهائم والجمادات، وما يعقلها ويدرك سرها ويقف على إشاراتها إلا العالمون، ويقول الفخر : العلم الحدسى التجريبى يعلمه العاقل والعلم الفكرى الدقيق يعقله العالم، وذلك كالأمثال، ومن هنا ندرك السر في تعبير القرآن :
وما يعقلها إلا العالمون.


الصفحة التالية
Icon