ج ٣، ص : ١٤
نزلت هذه الآيات عند ما غزا الفرس الرومان، وغلبوهم في مشارف الشام مما يلي بلاد العرب، ففرح بذلك مشركو العرب إذ قالوا : إن الفرس لا كتاب لهم مثلنا، والرومان لهم كتاب مثلكم لأنهم من النصارى، ولننتصرن عليكم كما انتصر الفرس فحلف أبو بكر بعد نزول الآية أن الرومان سيغلبون الفرس بعد هزيمتهم هذه، فقالوا له : اجعل لنا موعدا ونراهنك على ذلك، فضرب موعدا بسيطا، ثم استشار النبي صلّى اللّه عليه وسلّم
فقال له : زد في الرهان ومد الأجل فإن البضع من ثلاث إلى تسع.
ففعل وانتصر الرومان في السنة التاسعة، وأخذ أبو بكر الجعل، وتصدق به.
المعنى :
الم. غلبت الفرس الروم، ولكن الروم من بعد غلبهم وهزيمتهم سيغلبون الفرس، وذلك في بضع سنين، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وكانت هاتان الدولتان هما المسيطرتان على العالم في ذلك الوقت، إحداهما في الشرق وهي فارس والأخرى في الغرب وهي الروم، وقد كانتا تتنازعان على السيادة على بلاد لستام وغيرها.
وللّه الأمر كله من قبل هذا ومن بعده، إذ الكل منه وإليه، فلو كان الانتصار عن قوة ذاتية لما تخلف، ولو كانت الهزيمة عن ضعف ذاتى لما تخلفت، ولكنها إرادة اللّه وقدرته، فاعتبروا يا أولى الأبصار! فلا تغرنكم قوتكم يا قريش ولا تستهينوا بقوة المسلمين على ضعفهم، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وأما أنتم أيها المسلمون فثقوا باللّه واعتمدوا عليه، وتوكلوا فهو نعم المولى ونعم النصير.
ويومئذ ينتصر الروم وهم أهل الكتاب على فارس الوثنية يفرح المؤمنون لتحقق وعد اللّه، إنه ينصر من يشاء، وهو العزيز يعز أولياءه بقوته وقدرته. الرحيم بخلقه لا يدع القوى يتحكم في الضعيف.
وعدهم اللّه وعدا، ووعده لا يتخلف، وكيف يتخلف ؟ وهو وعد من هو عالم بالأمور بواطنها وظواهرها، قادر على كل شيء، وله الأمر من قبل ومن بعد، فثقوا أيها الناس بوعد اللّه فإنه متحقق لا محالة، وما يحصل لكم أيها المسلمون فهو ابتلاء واختبار، وتربية وتهذيب وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ [آل عمران ١٤١]


الصفحة التالية
Icon