ج ٣، ص : ١٤٣
يعطى العاصي والكافر استدراجا، ويمنع الطائع ابتلاء واختبارا لتكثر حسناته ويعظم عند اللّه أجره.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فهم يزعمون أن مدار البسط هو الشرف والكرامة ومدار التضييق هو الهوان والذل، وما علموا أن البسط قد يكون استدراجا، والتقتير قد يكون للابتلاء ورفع الدرجات.
وما أموالكم بالتي تقربكم عند اللّه زلفى وقربى، ولا أولادكم كذلك، فما الأموال ولا الأولاد تقرب أحدا إلى اللّه، لكن المؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل اللّه، ويعلم أولاده الخير، ويربيهم على الإسلام وينشئهم تنشئة إسلامية مدارها على حب اللّه والوطن وأن العزة للّه ولرسوله وللمؤمنين، فأولئك لهم الجزاء المضاعف إلى عشر أو إلى سبعمائة بما عملوا، وهم في غرفات الجنة هم آمنون، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون.
والذين يسعون جاهدين ومنفقين النفس والنفيس في إبطال آياتنا معاجزين للّه على حسب ظنهم القاصر وإدراكهم العاجز أولئك هم في العذاب محضرون، وفي نار جهنم مخلدون! جزاء بما كانوا يعملون.
قل لكفار مكة الذين كانوا يفاخرون ويباهون بكثرة الأموال والأولاد : إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقتر عليه، وقد كرر هذه العبارة للتأكيد، وقيل :
بينهما مخالفة فالأولى لشخصين أحدهما وسع عليه والثاني قتر عليه، وأما هنا فلشخص واحد في وقتين بدليل ذكر الضمير الذي يعود على (من) في قوله :« له » وهذا مما يؤكد أن التوسيع والتقتير ليس لكرامة ولا لهوان، فإنه لو كان كذلك لم يتصف بهما شخص واحد، وليس المقصود من الأموال التباهي بها، والاعتماد عليها، وإنما الواجب أن يستغلها صاحبها في الإنفاق،
عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :« ليس لك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأبقيت ».
فاعلموا أيها الناس أن ما أنفقتم من شيء في سبيل اللّه، وسبيل اللّه هنا موسعة فالنفقة الواجبة من صدقة أو زكاة، والنفقة المندوبة على الأهل والأولاد كلها هنا في سبيل اللّه، ما أنفقتم من شيء في هذا فاللّه يخلفه، وهو خير الرازقين. والمراد بقوله :« يخلفه » يعطيه بدله وخلفه، وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الآخرة، وعن أبى هريرة قال : قال


الصفحة التالية
Icon