ج ٣، ص : ١٥٩
إلا بعلمه، وإن من يعلم تركيب الجهاز التناسلى، وعملية الحمل والوضع، وكيف يتم ذلك، يعرف حقا القدرة الإلهية والعلم الشامل الذي لا يحيط به إلا هو، ولا يعمر من شخص معمر، ولا ينقص من آخر إلا في كتاب، فليست زيادة الأعمار أو نقصها أمورا مرتجلة تخضع لحوادث الكون لا : بل كل شيء عند ربك بمقدار. حقيقة من أراد أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه - كما نطق بذلك الحديث الشريف - فهذا محمول على زيادة البركة في العمر، وإلا فالقرآن صريح في قوله :
فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة الأعراف آية ٣٤].
إن كتابة الآجال وتثبيت الأعمار، وتدوين كل ما هو كائن على اللّه يسير، وبه جدير.
وانظروا إلى المياه التي حولكم : هذا عذب شديد العذوبة سائغ شرابه سهل تناوله يزيل العطش أو يجلب الري ويمنع الظمأ، وبجواره مياه ملحة شديدة الملوحة لا يستساغ شربها، وإن كانت هي أصل المياه العذبة فهل تصدق أن جميع المياه العذبة أصلها ماء البحر الملح ؟ وما ذلك على اللّه بعزيز، لا يستوي البحران أبدا، هذا ملح أجاج، وهذا عذب فرات، ومن كل واحد منهما تأكلون لحما طريا، وتستخرجون من البحر الملح حلية تلبسونها يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ « ١ » وترى الفلك الموقرة بالأحمال الثقال في البحار تمخر العباب جيئة وذهابا، سخر ذلك لكم لتبتغوا من فضل اللّه عليكم بالتجارة والانتقال، ولتشكروا ربكم الذي سخر لكم البحر بقدرته.
أليس في العذوبة والملوحة مفارقات ؟ وفي الحلي التي تخرج من البحار والسمك الذي يعيش في جوفه مفارقات. أليس في جرى السفينة على الماء، ولا ترسب في قاعه مفارقات ؟ ولكنها القدرة فلا تنكروا البعث لأن فيه مفارقات.
هو اللّه الذي يولج الليل في زمن النهار : ويدخل النهار في زمن الليل إن هذا بلا شك لعجيب! وهو الذي سخر الشمس والقمر، كل يجرى لأجل مسمى عنده ذلكم اللّه صاحب القوى والقدر، والعالم بكل ما غاب وما حضر، والمتفضل بكل نعمة ما عظم منها وما صغر، ذلكم اللّه ربكم وحده له الملك، وإليه وحده الأمر، فاعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا، وآمنوا به وبرسله وباليوم الآخر.
(١) - سورة الرحمن آية ٢٢.