ج ٣، ص : ١٦٧
المعنى :
الذي أوحينا إليك من القرآن هو الحق لا شك فيه ولا مرية، حالة كونه مصدقا لما بين يديه من الكتب، ومهيمنا عليه، واللّه هو الذي وضعه هذا الوضع، وأنزله على خاتم رسله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لأن الحكمة والعدل يقتضيان ذلك واللّه بعباده خبير بصير.
أوحينا إليك الكتاب ثم أورثناه الذين اصطفينا دينهم واخترناهم من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه.
إلا أن هذه الآية فيها مشكل لم يخف على الصحابة والتابعين، ولا على المفسرين وذلك أن قوله : ظالم لنفسه مع قوله : اصطفينا، وقوله بعده : جنات عدن يدخلونها مشكل، إذ كيف يكون ظالما لنفسه مع أنه من المصطفين ؟ ! وكيف يدخل في قوله تعالى : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ؟ ولقد تعرض لهذا الإشكال العلامة القرطبي في تفسيره، وذكر عددا من الأقوال فروى عن عمر، وعثمان، وأبى الدرداء وابن مسعود، وعقبة بن عامر، وعائشة وخلاصته : أن الظالم لنفسه مؤمن عمل الصغار والمقتصد مؤمن أعطى الدنيا حقها والآخرة حقها، ويكون قوله : جنات عدن يدخلونها تشمل الأصناف الثلاثة.
ومما يؤيد هذا قول كعب الأحبار : استوت مناكبهم - ورب الكعبة - وتفاضلوا بأعمالهم، وما
روى أسامة بن زيد أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ هذه الآية وقال :« كلّهم في الجنّة »
، وما
روى عن عمر بن الخطاب أنه قرأها ثم قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
« سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له ».
وعلى هذا القول يقدر مفعول اصطفينا - كما قلنا أولا - اصطفينا دينهم، فالاصطفاء موجه إلى دينهم لا إلى أشخاصهم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ وخلاصة الآراء الأخرى : أن الظالم كافر أو فاسق أو مرتكب للكبيرة، وهو لا يدخل الجنة، والرأى الأول على ما أظن أحسن لأن الكافر والمنافق والفاسق لم يصطفوا، وكفاه فخرا أنه رأى ستة من كبار الصحابة. ذلك أن إيتاء الكتاب لهم هو الفضل الكبير، وأى فضل أكبر من هذا ؟ جنات عدن يدخلونها مقيمين فيها إلى ما شاء اللّه يحلون فيها بعض أساور من ذهب ويحلون فيها لؤلؤا، ولباسهم فيها حرير، ولا شك أن نعيم الجنة فوق هذا بكثير،


الصفحة التالية
Icon