ج ٣، ص : ١٨٠
هؤلاء الرسل قاموا بالرسالة وأدوا الأمانة فهل استجاب لهم أحد أم لا ؟ نعم قد استجاب لهم خلق، وجاء من أقصى المدينة رجل كامل الرجولة يسعى سعيا حثيثا لإظهار الحق، ونصرته، ومحاربة الباطل ودولته : قال يا قومي ويا أهلى : اتبعوا هؤلاء المرسلين فإنهم صادقون في دعوى الرسالة، اتبعوا من لا يسألكم أجرا، ولا يطلب منكم مالا، ولا يسعى إلى رئاسة أو غرض وهم مهتدون سائرون على الطريق الحق، والمنهج القصد، وهذا كاف في اتباع الرسل لو أنصف الناس.. وكأنهم ردوا عليه وقالوا له : أنت مؤمن بهم وبأنهم رسل اللّه، وصدقتهم في عبادة إله واحد ؟ قال :
وما لي لا أعبد الذي خلقني وأبدعنى على تلك الصورة ؟ أى مانع عندي يمنعني من عبادة من فطرني وخلقني فسوانى في أحسن صورة ؟ وإليه وحده ترجع الخلائق يوم القيامة للثواب والعقاب، وهكذا المنصف يعبد اللّه لأنه خلقه، أو يعبده لأنه سيحاسبه. فهو يعبد رغبا أو رهبا.
أأتخذ من دونه آلهة لا تنفع ولا تشفع، ولا تبصر ولا تسمع، إن أرادنى الرحمن بضر، لا تدفع ضره ولا تغنى عنى شفاعتهم شيئا، ولا هم ينقذوننى مما بي فلأى شيء يعبدون ؟ أليست العبادة تقديسا لمن يستحق التقديس ؟ ! إنى إذ أعبد حجرا أو مخلوقا لا ينفع ولا يضر إنى إذا لفي ضلال مبين.
اسمعوا يا قومي : إنى آمنت بربكم وربي فاسمعون.
قيل له : ادخل الجنة، فهل قيل له بعد الموت ؟ أو بشر بهذا ممن لا يكذب فبنى على تلك البشارة ما يأتى ؟ وعلى الرأى الأول يكون ما يأتى حكاية لحاله يوم القيامة، وعلى الثاني فكلامه في الدنيا سيق عبرة وعظة للناس يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي حيث جعلني من المكرمين يوم القيامة بالثواب الجزيل والأجر العريض، وهذا حال المؤمن المصدق لرسل اللّه.
أما حال من أشرك وكفر وكذب فعاقبته الخسران والضلال والهلاك، اسمع إلى الحق تبارك وتعالى يقول وهو أصدق القائلين : وما أنزلنا على قوم هذا الرجل المؤمن بعد نجاته من جند من السماء، وما كان ينبغي لنا أن ننزل فلسنا في حاجة إلى ذلك أبدا.
ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة فقط من جبريل فإذا هم بسرعة كسرعة البرق خامدون هامدون لا حراك ولا حرارة ولا حياة، وسبحان اللّه الواحد القهار فاعتبروا يا أهل مكة إن كنتم من أولى الأبصار!!